يقول تعالى مخبرا عن جهل المشركين في استعجالهم عذاب الله أن يقع بهم وبأس الله أن يحل عليهم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] وقال هاهنا: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ﴾ أي لولا ما حتم الله من تأخير العذاب إلى يوم القيامة لجاءهم العذاب قريبا سريعا كما استعجلوه، ثم قال: ﴿وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً﴾ أي فجأة ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ﴾ أي يستعجلون العذاب وهو واقع بهم لا محالة.
قال شعبة عن سماك عن عكرمة: قال في قوله: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ﴾ قال:
البحر (١). وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، حدثنا أبي عن مجالد عن الشعبي أنه سمع ابن عباس يقول: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ﴾ وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه، وتكور فيه الشمس والقمر، ثم يوقد فيكون هو جهنم. وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا أبو عاصم، أخبرنا عبد الله بن أمية، حدثني محمد بن حيي، أخبرني صفوان بن يعلى عن أبيه أن النبي ﷺ قال:«البحر هو جهنم» قالوا ليعلى، فقال: ألا ترون أن الله تعالى يقول: ﴿ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها﴾ قال: لا والذي نفس يعلى بيده، لا أدخلها أبدا حتى أعرض على الله ولا يصيبني منها قطرة حتى أعرض على الله تعالى، هذا تفسير غريب، وحديث غريب جدا، والله أعلم.
ثم قال ﷿: ﴿يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ كقوله تعالى:
﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ [الأعراف: ٤١] وقال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر: ١٦] وقال تعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣٩] الآية، فالنار تغشاهم من سائر جهاتهم، وهذا أبلغ في العذاب الحسي. وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ تهديد وتقريع وتوبيخ، وهذا عذاب معنوي على النفوس، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٨ - ٤٩] وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾