﴿فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا﴾ أي بالبرهان القاطع الدال على أن الله ﷿ أرسله إليهم ﴿قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ﴾ وهذا أمر ثان من فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل. أما الأول فكان لأجل الاحتراز من وجود موسى أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عددهم أو لمجموع الأمرين، وأما الأمر الثاني فللعلة الثانية لإهانة هذا الشعب ولكي يتشاءموا بموسى ﵇ ولهذا قالوا: ﴿أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٩] قال قتادة هذا أمر بعد أمر.
قال الله ﷿: ﴿وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ﴾ أي وما مكرهم وقصدهم الذي هو تقليل عدد بني إسرائيل لئلا ينصروا عليهم إلا ذاهب وهالك في ضلال ﴿وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ وهذا عزم من فرعون لعنه الله تعالى إلى قتل موسى ﵊ أي قال لقومه دعوني حتى أقتل لكم هذا ﴿وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ أي لا أبالي به، وهذا في غاية الجحد والتجهرم والعناد، قوله قبحه الله: ﴿إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ﴾ يعني موسى، يخشى فرعون أن يضل موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم، وهذا كما يقال في المثل: صار فرعون مذكرا، يعني واعظا يشفق على الناس من موسى ﵇.
وقرأ الأكثرون «أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد» وقرأ آخرون ﴿أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ﴾ وقرأ بعضهم ﴿يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ﴾ بالضم (١) ﴿وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ﴾ أي لما بلغه قول فرعون ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى﴾ قال موسى ﵇ استجرت بالله وعذت به من شره وشر أمثاله ولهذا قال: ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ أيها المخاطبون ﴿مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ﴾ أي عن الحق مجرم «لا يؤمن بيوم الحساب» ولهذا جاء في الحديث عن أبي موسى ﵁ أن رسول الله ﷺ كان إذا خاف قوما قال: «اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نحورهم»(٢).