فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين} (١) . نَقَلَ الْجُمْهُورُ كَافَّةً أَنَّ ((أَبْنَاءَنَا)) إِشَارَةٌ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَ ((نِسَاءَنَا)) إِشَارَةٌ إِلَى فَاطِمَةَ. وَ ((أَنْفُسَنَا)) إِشَارَةٌ إِلَى عَلِيٍّ. وَهَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ لِعَلِيٍّ لِأَنَّهُ تَعَالَى قد جعله نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالِاتِّحَادُ مُحَالٌ، فَيَبْقَى الْمُرَادُ بِالْمُسَاوَاةِ لَهُ الْوِلَايَةُ. وَأَيْضًا لَوْ كَانَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مُسَاوِيًا لَهُمْ وَأَفْضَلَ مِنْهُمْ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ لِأَمْرِهِ تَعَالَى بأخذهم لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ، وَإِذَا كَانُوا هُمُ الْأَفْضَلُ تَعَيَّنَتِ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ. وَهَلْ تَخْفَى دَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ إِلَّا عَلَى مَنِ استحوذ الشيطان عليه، وأخذ بمجامع قَلْبِهِ، وحُبّبت إِلَيْهِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا يَنَالُهَا إِلَّا بِمَنْعِ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِمْ؟))
وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا أَخْذُهُ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فِي الْمُبَاهَلَةِ فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا
وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِين} (٢) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا فَقَالَ ((اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي)) (٣) .
وَلَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الإمامة ولا على الأفضلية.
وقوله: ((وقد جَعَلَهُ اللَّهُ نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالِاتِّحَادُ مُحَالٌ، فَبَقَى الْمُسَاوَاةُ لَهُ، وله الولاية العامة. فكذا لمساويه)) .
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُسَاوَاةُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُسَاوِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا عليًّا ولا غيره.
وَهَذَا اللَّفْظُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ. قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ: {لَّوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} (٤) ، وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ متساوين.
وَالْمُبَاهَلَةُ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِالْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَوْ باهلهم بالأبعدين في النَّسَبِ، وَإِنْ كَانُوا أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ، لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ الْأَقْرَبِينَ، كما يدعو هو الأقرب إليه.
(١) الآية ٦١ من سورة آل عمران.(٢) الآية ٦١ من سورة آل عمران.(٣) انظر صحيح مسلم ج٤ ص ١٨٧١.(٤) الآية ١٢ من سورة النور.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute