وَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْجَهَالَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَرْطِ جَهْلِ قَائِلِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَلِيٍّ قَدْ نُقل مِثْلُهُ عمَّن هُوَ دُونَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، بَلْ نُقل مِثْلُهُ عمَّن يكفِّر عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْخَوَارِجِ. كَقَوْلِ بِلَالٍ
عَتِيقِ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَامْرَأَتُهُ تَقُولُ: وَاحَرْبَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاطَرَبَاهُ غَدًا أَلْقَى الْأَحِبَّةَ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ.
وَكَانَ عُمَرُ قَدْ دَعَا لَمَّا عَارَضُوهُ فِي قِسْمَةِ الْأَرْضِ فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ)) فَمَا حَالَ الحَوْل وَفِيهِمْ عين تَطْرِفُ.
وَرَوَى أَبُو نُعيم فِي ((الْحِلْيَةِ)) : ((حَدَّثَنَا الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ سَيَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: طُعن مُعَاذٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وشُرحبيل بْنُ حَسَنَةَ وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّهُ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ، وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ، وَقَبْضُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ. اللَّهُمَّ آتِ آلَ مُعَاذٍ النَّصِيبَ الْأَوْفَرَ مِنْ هَذِهِ الرَّحْمَةِ. فَمَا أَمْسَى حَتَّى طُعن ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِكْرُه الَّذِي كَانَ يُكنَّى بِهِ، وَأَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ. فَرَجَعَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَوَجَدَهُ مَكْرُوبًا. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كيف أَنْتَ؟ قَالَ: يَا أبتِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. قَالَ: وَأَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَتَجِدُنِي مِنَ الصَّابِرِينَ. فَأَمْسَكَهُ لَيْلَهُ ثُمَّ دَفَنَهُ مِنَ الْغَدِ. وطُعن مُعَاذٌ، فَقَالَ حِينَ اشتدَّ بِهِ النَّزْعُ، نَزْعُ الْمَوْتِ، فَنَزَعَ نَزْعًا لَمْ يَنْزِعْهُ أَحَدٌ، وَكَانَ كُلَّمَا أَفَاقَ فَتَحَ طَرَفَهُ، وَقَالَ: رَبِّ اخْنُقْنِي خَنْقَك، فَوَعِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ قَلْبِي يُحِبُّكَ)) (١) .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. قَدْ قَالَهَا مَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ، قَالَهَا عَامِرُ بْنُ فُهيرة مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَمَّا قُتل يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ سَرِيَّةٍ قِبَل نَجْدٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ بِالسِّيَرِ: طَعَنَهُ جَبَّارُ بْنُ سَلْمى فَأَنْفَذَهُ. فَقَالَ عَامِرٌ: فُزْتُ وَاللَّهِ. فَقَالَ جَبَّارٌ: مَا قَوْلُهُ فُزْتُ وَاللَّهِ؟ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: يرون أن الملائكة دفنته (٢) .
وَشَبِيبٌ الْخَارِجِيُّ لَمَّا طُعن دَخَلَ فِي الطَّعْنَةِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ ربِ لِتَرْضَى.
وَأَعْرِفُ شَخْصًا مِنْ أَصْحَابِنَا لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ يقول: حبيبي هاقد جئتك، حتى
(١) انظر الحلية ج١ ص٢٤٠.(٢) انظر الحلية ج١ ص٢٤٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute