الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ؛ فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُفَرِّقِ الْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يُقتل إِلَّا وَهُوَ طَالِبٌ لِلرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ، أَوْ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ إِلَى يَزِيدَ، دَاخِلًا فِي الْجَمَاعَةِ، مُعْرِضًا عَنْ تَفْرِيقِ الْأُمَّةِ. وَلَوْ كَانَ طَالِبُ ذَلِكَ أَقَلَّ النَّاسِ لَوَجَبَ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَا تَجِبُ إِجَابَةُ الْحُسَيْنِ إِلَى ذَلِكَ؟
وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مَنْ هُوَ دُونَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا إِمْسَاكُهُ، فَضْلًا عَنْ أَسْرِهِ وَقَتْلِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: اشْتَدَّ غضب الله عَلَى مَنْ أَرَاقَ دَمَ أَهْلِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي.
كَلَامٌ لَا يَنْقُلُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ إِلَّا جَاهِلٌ. فَإِنَّ الْعَاصِمَ لِدَمِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الْقَرَابَةِ، وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتَى بِمَا يُبِيحُ قَتْلَهُ أَوْ قَطْعَهُ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا بِإِجْمَاعِ المسلمين.
كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)) (١) . فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ أَعَزَّ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ لَوْ أَتَى بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ لَأَقَامَهُ عَلَيْهِ، فَلَوْ زَنَى الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ مُحْصَنٌ رُجم حَتَّى يَمُوتَ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ قَتَلَ نَفْسًا عَمْدًا عُدْوَانًا مَحْضًا لَجَازَ قَتْلُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنَ الْحَبَشَةِ أَوِ الرُّومِ أَوِ التُّرْكِ أَوِ الدَّيْلَمِ.
فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ)) (٢) فَدِمَاءُ الْهَاشِمِيِّينَ وَغَيْرِ الْهَاشِمِيِّينَ سَوَاءٌ إِذَا كَانُوا أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إِرَاقَةِ دَمِ الْهَاشِمِيِّ وَغَيْرِ الْهَاشِمِيِّ إِذَا كان بحق، فكيف يَخُصُّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَهُ بِأَنْ يَشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَرَاقَ دِمَاءَهُمْ.
فَإِنَّ اللَّهَ حرَّم قَتْلَ النَّفْسِ إِلَّا بِحَقٍّ، فَالْمَقْتُولُ بِحَقٍّ لِمَ يَشْتَدُّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ هَاشِمِيًّا أَوْ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ؟ .
وَإِنْ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فمن يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عظيما. فالعاصم للدماء والمبيح لها يشترك فيها بَنُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُمْ، فَلَا يُضِيفُ مِثْلَ هَذَا الكلام
(١) انظر البخاري: ج٥ ص ٢٣، ومسلم: ج٣ ص ١٣١٥.(٢) رواه أبو داود ج٣ ص١٠٧ وابن ماجة ج٢ ص ٨٩٥ وأحمد ج٢ ص ١٩٩. أحمد شاكر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute