فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أتته امرأة فشكرت عنده زوجها وقالت: هو من خير أهل الدنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم أدركها الحياء، فقال:"جزاك الله خيرًا فقد أحسنت الثناء". فلما ولت قال كعب بن سُور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال: وما اشتكت؟ قال: زوجَها. قال: عليَّ بهما. فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟ قال: إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له قال: إن الله تعالى يقول: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}[النساء: ٣] صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يومًا، وقم ثلاث ليال، وبت عندها ليلة، فقال عمر:"هذا أعجب إليَّ (١) من الأول" فبعثه قاضيًا لأهل البصرة (٢) فكان يقع له في الحكومة من الفراسة أمور عجيبة. وكذلك شريح في فراسته وفطنته.
قال الشعبي: شهدت شريحًا وجاءته امرأة - تخاصم رجلًا - فأرسلت عينيها وبكت. فقلت: يا أبا أمية، ما أظن هذه البائسة (٣) إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً
(١) "إليَّ" ساقط من "جـ". (٢) رواه عبد الرزاق (٧/ ١٤٩)، وابن سعد في الطبقات (٧/ ٦٣)، ووكيع في أخبار القضاة (١/ ٢٧٥). ورواه بنحوه ابن عبد البر في الاستيعاب (٣/ ٢٨٨) وقال: "خبر عجيب مشهور" ا. هـ. الاستيعاب (٣/ ٢٨٦). (٣) "البائسة" ساقط من "ب".