به»، وهذا الحديث وإن ورد في قصة السعي بين الصفا والمروة، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء ما وردت إلا مرتبة كما وردت في نص الآية، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره من الصحابة أنه توضأ منكساً أو غير مرتب، فثبت أن ترتيب أفعال الوضوء كما أمر الله تعالى، ونصّ عليه في هذه الآية واجب.) (١)
واحتج أبو حنيفة وأصحابه ومالك بهذه الآية أيضاً، وقالوا: الواو المذكورة في الآية للجمع لا للترتيب، ولو قلنا بوجوب الترتيب كان ذلك زيادة على النص، وذلك غير جائز (٢). وأجيب عنه بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا مرتباً، وبيان الكتاب إنما يؤخذ من السنة. (٣)
والذي يظهر والله تعالى أعلم صحة دلالة هذه الآية على استنباط الخطيب، وأن الترتيب في الوضوء واجب؛ لأن الأمر في قوله تعالى {فَاغْسِلُوا} للوجوب، ولأن الآية ما سِيقت إلا لبيان الواجب، ولهذا لم يذكر فيها شيء من السنن.
ويدل له أيضاً الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن جماعات من الصحابة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وكلهم وصَفُوه مرتباً مع كثرتهم، وكثرة المواطن التي رأوه فيها، وكثرة اختلافهم في صفاته، ولم يثبت فيه مع اختلاف أنواعه صفةٌ غير مرتَّبة، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان للوضوء المأمور به، ولو جاز ترك الترتيب لتركه في بعض الأحوال لبيان الجواز كما ترك التكرار في أوقات. (٤)
قال ابن القيم:(وكذلك كان وضوءه مرتبًا متواليًا، لم يُخلّ به مرة واحدة). (٥) والله تعالى أعلم.