ثمَّ تأمَّل الحكمةَ البالغةَ في نزول المطر على الأرض من عُلوٍّ ليعُمَّ بسَقْيه وِهادَها وتِلالها، وظِرابها وآكامها، ومنخفَضها ومرتفعَها، ولو كان ربها تعالى إنما يسقيها (٢) من ناحيةٍ من نواحيها لما أتى الماءُ على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السُّفلى وكثُر، وفي ذلك ضررٌ وفساد.
فاقتضت حكمتُه أن سقاها من فوقها؛ فينشاءُ سبحانه السَّحابَ ــ وهي روايا الأرض ــ، ثمَّ يرسلُ الرياح فتحملُ الماءَ من البحر وتَلْقَحُها به كما يَلْقَحُ الفحلُ الأنثى. ولهذا تجدُ البلادَ القريبة من البحر كثيرةَ الأمطار، وإذا بَعُدَت من البحر قلَّ مطرُها (٣).