قال (١):
تَحَسَّبَ هوَّاسٌ وأيقَنَ أنني ... بها مُفْتَدٍ من واحدٍ لا أُغامِرُه
يقول: تَشَمَّمَ الأسدُ ناقتي، يظنُّ أنني أفتدي بها منه، وأستحيي نفسي فأتركها له، ولا أَقْتَحِمُ المهالكَ بمقاتلته (٢)».
قلت: هذا موضعٌ اختلف فيه أهلُ اللغة والتفسير؛ هل يستعملُ اليقينُ في موضع الظنِّ، والظنُّ في موضع اليقين؟ (٣).
فرأى ذلك طائفة، منهم الجوهريُّ وغيره، واحتجُّوا سوى ما ذُكِر بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ٤٦]، ولو شكُّوا في ذلك لم يكونوا مؤمنين (٤)، فضلًا عن أن يُمْدَحوا بهذا المدح، وبقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٤٩]، وبقوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: ٥٣]، وبقول الشاعر (٥):
(١) أبو سِدْرة الأسدي، ويقال: الهُجَيْمي. انظر: «النوادر» لأبي زيد (١٨٩)، و «اللآلي» (١/ ٥٣٩)، و «الخزانة» (٢/ ١١٩).(٢) (ق، د، ت): «لمقاتلته».(٣) انظر: «الأضداد» لابن الأنباري (١٢)، و «تفسير الطبري» (٢/ ١٧)، و «الخزانة» (٩/ ٣١٤، ١١/ ٢٨٢).(٤) (ق): «موقنين».(٥) هو دريدُ بن الصِّمَّة، من حماسيَّةٍ أصمعية. انظر: «الحماسة» بشرح المرزوقي (٨١٢)، و «الأصمعيات» (٢٨)، وديوانه (٤٧). والمدجَّج: الكاملُ السلاح. وسَراتهم: أشرافُهم ورؤساؤهم. والفارسيُّ المسرَّد: الدِّرعُ الفارسيُّ المحكم النَّسج.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute