ويقول الآخر (١): «إنه لتمرُّ بالقلب أوقاتٌ يرقصُ فيها طربًا».
وقال بعضُ العارفين (٢): «إنه لتمرُّ بي أوقاتٌ، أقولُ فيها: إن كان أهلُ الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيشٍ طيِّب»(٣).
ومن تأمَّل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا نهاهم عن الوِصَال، فقالوا: إنك تُواصِل فقال: «إني لستُ كهيئتكم، إني أظلُّ عند ربي يطعمني ويسقيني»(٤)؛ عَلِمَ أنَّ هذا طعامُ الأرواح وشرابها، وما يفيضُ عليها من أنواع البهجة واللذَّة والسرور والنعيم الذي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الذروة العليا منه، وغيرُه إذا تعلَّق بغباره رأى مُلْكَ الدُّنيا ونعيمَها بالنسبة إليه هباءً منثورًا، بل باطلًا وغرورًا.
وغَلِط من قال: إنه كان يأكلُ ويشربُ طعامًا وشرابًا يغتذي به بدنُه؛ لوجوه (٥):
أحدُها: أنه قال: «أظلُّ عند ربي يطعمني ويسقيني»، ولو كان أكلًا وشربًا لم يكن وصالًا ولا صومًا.
(١) هو أبو سليمان الداراني. في «البداية والنهاية» (١٤/ ١٥٢). وانظر: «تاريخ دمشق» (٣٤/ ١٤٧). (٢) هو أبو سليمان الداراني. نسبه إليه ابن كثير في الموضع السابق. (٣) وفي (ح): «إنهم لفي النعيم». وفي (ن): «لفي أنعم عيش». (٤) أخرجه البخاري (١٩٦٥)، ومسلم (١١٠٣) من حديث أبي هريرة. (٥) انظر: «جامع المسائل» (١/ ١٢٢)، و «مدارج السالكين» (٣/ ٨٨)، و «زاد المعاد» (٢/ ٣٢، ٤/ ٩٤)، و «أيمان القرآن» (٥٧٩)، و «الداء والدواء» (٤٦٠)، و «شرح مسلم» للنووي (٤/ ٢٢٠)، و «فتح الباري» (٤/ ٢٠٧)، و «لطائف المعارف» (٣٤٤).