وقد شربَ آدمُ من شرابها الذي سمَّاه في كتابه:{شَرَابًا طَهُورًا}[الإنسان: ٢١]، أي: مُطهَّرًا من جميع الآفات المذمومة، وآدمُ لم يطهَّر من تلك الآفات.
وسمَّاها الله تعالى:{مَقْعَدِ صِدْقٍ}، وقد كَذَبَ إبليسُ فيها آدمَ، ومقعدُ الصِّدق لا كذبَ فيه.
وعِلِّيُّون لم يكن فيها استحالةٌ قطُّ ولا تبديل، ولا يكونُ بإجماع المصلِّين، والجنةُ في أعلى عليين.
والله تعالى فإنما قال:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، ولم يقل: إني جاعلٌ (١) في جنة المأوى، فقالت الملائكة:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، والملائكةُ أتقى لله من أن تقول ما لا تعلم، وهم القائلون:{لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}، وفي هذا دلالةٌ على أنَّ الله قد كان أعلَمهم أنَّ بني آدم سيفسدون في الأرض، وإلا فكيف كانوا يقولون ما لا يعلمون، والله تعالى يقول ــ وقوله الحق ــ:{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء: ٢٧]، والملائكةُ لا تقول ولا تعمل إلا بما تؤمرُ به لا غير، قال الله تعالى:{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل: ٥٠].
والله تعالى أخبرنا أنَّ إبليس قال لآدم:{هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}[طه: ١٢٠]، فإن كان الله أسكن آدمَ جنةَ الخلد والمُلكَ الذي لا يبلى، فكيف لم يردَّ عليه نصيحتَه ويكذِّبه في قوله، فيقول: وكيف تدلُّني على شيءٍ أنا فيه وقد أُعطِيتُه واحتزتُه (٢)؟!
(١) (ت، د، ن): "جاعله". (٢) مهملة في (د، ق). وساقطة من (ت). والمثبت من (ح، ن).