وقوله تعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: ٣] لكمال صمديته، وقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤] لتفرده بالكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه غيره، وقوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] لعظمته وإحاطته بما سواه، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه واسع فيرى ولكن لا يحاط به إدراكاً، كما لا يعلم ولا يُحاط، فيرى ولا يحاط به رؤية (١). إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تنزيه الله تعالى عن النقائص والعيوب مع ثبوت كمال ضدها الواجب الثابت لله تعالى الذي هو من لوازم ذاته ﷿.
ثالثا: أن هذه الطريقة التي سلكها أهل السنة في الإثبات والتنزيه موافقة لصريح المعقول الموافق لصحيح المنقول، فإن العقل السليم ينكر عكسها، وذلك لأن النفي المفصل عند العقلاء مسبة وإساءة ادب حتى في المخلوق، فإنه لو قال أحد لسلطان: أنت لست بزبال ولا كساح، ولا حجام، ولا حائك، ولا كناس، لأدبه على هذا الوصف وإن كان صادقاً وإنما يكون مادحاً إذا أجمل النفي، فقال: أنت ليست مثل أحد من رعيتك، أنت أعلى منهم وأشرف، ومن أجمل في النفي أجمل في الأدب (٢).
قال الشيخ محمد بن عثيمين ﵀ "واعلم أن الصفات الثبوتية التي وصف الله بها نفسه كلها صفات كمال، والغالب فيها التفصيل لأنه كلما كثر الإخبار عنها وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها وعُلم ما لم يكن معلوماً من قبل، ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي