قال أبو العباس (٢): معنى «أو يرتبط بعضَ النفوسِ»: أو يرتبطْ نفسي، كما يقولُ: بعضُنا يعرفه؛ أي: أنا أعرفُهُ، ومعنى الآيةِ على البعضِ؛ لأنَّ عيسى صلّى الله عليه وسلّم إنما أحلَّ لهم أشياء مما حرَّمها عليهم موسى: من أكل الشحومِ وغيرها، ولم يُحِلَّ لهم القتلَ، ولا السَّرقةَ، ولا الفاحشةَ» (٣).
وهذا المذهبُ قد حُكِيَ عن غيرِه، وقد أُنْكِرَ أيضاً، كما قال الأزهريُّ (ت:٣٧٠): «وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: أجمع أهلُ النَّحوِ على أنَّ البعضَ شيءٌ من أشياءَ، أو شيءٌ من شيءٍ إلاَّ هشاماً (٤)، فإنه زعمَ أنَّ قول لبيد:
فادَّعى وأخطأ: أنَّ البعضَ هاهنا جمعٌ (٥). ولمْ يكنْ هذا منْ عمله، وإنما أراد لبيد ببعض النفوس: نفسه» (٦).
(١) ينظر المذاهب في جواز دخول «أل» على «بعض» و «كل»: لسان العرب، مادة (بعض). (٢) هو المبرد، ولم أجد هذا القول في الكامل في الأدب. (٣) معاني القرآن (١:٤٠٣ - ٤٠٤). (٤) يحتمل أن يكون هشام بن معاوية الضرير، النحوي، الكوفي، صاحب الكسائي، توفي سنة (٢٠٩). ويدلُّ عليه أنه نحوي لا لغوي، كما في ترجمته، ولذا قال: «ولم يكن هذا من عمله». (٥) قد حُكيَ هذا المذهب عن أبي الهيثم أيضاً، ينظر: تاج العروس، مادة (نظر). (٦) تهذيب اللغة (١:٤٩٠). ومن العجيب أنَّ الذي ورد عنه في كتاب مجالس ثعلب، تحقيق: عبد السلام هارون (١:٥٠) يخالف ما نُقِلَ عنه في تهذيب اللُّغةِ، قال: «{وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي} [الزخرف: ٦٣]، قال: تكونُ بمعنى كل، وبمعنى بعض، وأنشد للبيد: تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَهَا ... أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا مجالس ثعلب، تحقيق: عبد السلام هارون (١:٥٠).