مثلِ هذا، مع أنه لم يكنْ متظاهراً بالقولِ بالعدلِ ...» (١).
وهذا الكلامُ من الفرَّاءِ (ت:٢٠٧)، لو حُمِلَ على ما قاله الشَّريفُ المرتضى (ت:٤٣٦)، لما كانَ دليلاً على اعتزالِه، وإنما فيه دليلٌ على تأثُّرِه بالاعتزالِ، وممَّا يمكنُ أن يُستدلَّ به من كتابه (معاني القرآن) على براءتِه من الاعتزالِ ما يأتي:
١ - أنَّه قدْ نصَّ في كتابِه على الردِّ على أهلِ القَدَرِ، فقال:«وقوله تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦]: إلاَّ ليوحدوني، وهذه خاصة، يقول: وما خلقت أهل السعادة من الفريقين إلاَّ ليوحدوني.
وقال بعضهم: خلقهم ليفعلوا، ففعل بعضهم وترك بعضٌ.
وليسَ فيه لأهلِ القَدَرِ حجةٌ» (٢).
أي: وليس في القولِ الثاني حجةٌ لأهلِ القدرِ، لأنَّه قال: ففعل بعضهم وترك بعضٌ، فنسب الفعل إليهم.
٢ - ومن ذلك تفسيرِه لقوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس: ٢٦]، فقد ذكرَ فيها أثراً عن أبي بكر الصِّديق، أنّ الزيادةَ: النَّظرُ إلى وجه الرَّبِّ تباركَ وتعالى (٣). ولم يعترضْ عليه، والمعتزلةُ ينكرونَ الرُّؤيةَ، ولا يحتجُّونَ بمثلِ هذه الآثارِ.
(١) أمالي الشريف المرتضى (٢:١٢٠). (٢) معاني القرآن، للفراء (٣:٨٩). (٣) ينظر: معاني القرآن (١:٤٦١). وقد ذكر قولاً آخر، فقال: «ويقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى}؛ يريد: حسنةً مثلَ حسناتهم، {وَزِيَادَةٌ}: زيادة التضعيف؛ كقوله: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}». وهذا القول مرويٌّ عن ابن عباس وعلقمة بن قيس وقتادة، ينظر: تفسير الطبري، تحقيق شاكر (١٥:٧٠).