وسيأتي إن شاء الله -تعالى- إن أَوْجَبْنَاهُ الْتَحَقَ بالحَدِّ، وحينئذ فَيُشبِهُ أن يقال: يَضْرِبُهُ ضَرْباً [غير](١) مُبَرِّحِ إِقَامَةً لصورة الوَاجِبِ، وإن لم يفد التَّأْدِيب.
ويجوز أن يُعْلَمَ قوله في الكتاب: فإن سَرَى ضَمِنَ عَاقِلَةُ المُعَزَّر بالحاء والميم والواو؛ لما سنذكر في أول كتاب مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ، فإن المسألة مُعَادَةٌ هناك.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الجِنَايَةُ المُتَعَلِّقَةُ بحق الله -تعالى- خَاصَّة، يجتهد الإمَامُ في تَعْزِيرِهَا بما يَرَاهُ من الضَّرْب، والحبس، والاقتصار على التَّوْبِيخِ بالكلام، فإن رَأى الصَّلاَحَ في العَفْوِ المُطْلَقِ، فلهَ ذلك. وعن أبي حَنِيْفَةَ: أن التَّعْزِيرَ وَاجِبٌ كالحد.
ومنهم من يُفَضِّلُ فيقول: إن غلب على ظَنِّ الإِمام أنه لا يُصْلِحُهُ إلا التَّعْزِيرُ، وجب التَّعْزِيرُ. واحتج الأصحاب بما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"أَقِيلُوا ذَوِي الهَيْئَاتِ عَثَراتِهِمْ إِلاَّ في الحُدُودِ"(٢)، وبأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أَعْرَضَ عن جماعة اسْتَحَقُّوا
(١) سقط في ز. (٢) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن عدي، والعقيلي من حديث عمرة عن عائشة وقال العقيلي: له طرق، وليس فيها شيء يثبت، وذكره ابن طاهر من رواية عبد الله بن هارون بن موسى القروي، عن القعنبي عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أنس، وقال: هو بهذا الإسناد باطل، والعمل فيه على الفروي، ورواه الشَّافعي وابن حبان في صحيحه، وابن عدي أيضاً والبيهقي من حديث عائشة، بلفظ: أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم، ولم يذكر ما بعده، قال الشَّافعي: وسمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث، ويقول: يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته، ما لم يكن حداً، وقال عبد الحق: ذكره ابن عدي في باب واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ولم يذكر له علة، قلت: وواصل هو أبو حرة ضعيف، وفي إسناد ابن حبان: أبو بكر بن نافع، وقد نص أبو زرعة على ضعفه في هذا الحديث، وفي الباب عن ابن عمر رواه الشيخ في كتاب الحدود، بإسناد ضعيف، وعن ابن مسعود رفعه: تجاوزوا عن ذنب السخي، فإن الله يأخذ بيده عند عثراته، رواه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف، قال الشَّافعي: وذووا الهيئات الذين يقالون عثراتهم، هم الذين ليسوا يعرفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة وقال الماوردي في عثراتهم وجهان: أحدهما الصغائر. والثاني أول معصية زل فيها مطيع. قاله الحافظ في التلخيص.