قَالَ الرَّافِعِيُّ: الزنا (١) من المحرَّمَات الكبائر؛ قال الله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}[الإسراء: ٣٢] وعن عبد الله بن مسعود -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ الله؟ قَالَ:"أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدّاً، وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَأْكُلَ مَعَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَزْنِيَ بحَلِيلَةِ جَارَكَ"(٢)، فأنزل الله تعالى تصدِيقَها:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}[الفرقان: ٦٨] وأجمع أهل المِلَلِ على تحرْيم الزنا، ويتعلَّق به الحد، وكان الواجب فيه في صدْر الإسلام الحَبْسَ والإيذاء على ما قال تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} إلى قولِه {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}[النساء: ١٥ - ١٦] ذهب عامة الأصحاب إلى أن الحَبْسَ كان في حق الثيِّب، والإيذاء كان في حقِّ البكر، وحملُوا الإيذاء على السبِّ والتعزير بالكلام.
وعن أبي الطيِّب بن سلمة: أن المراد من الآيتين الأبكارُ، وأن الحبْس كان في حق النساء، والإيذاء بالكَلاَمِ في حقِّ الرجال، ثم استقر الأمر على أن البكْر يجلد ويغرب، والثيب يُرْجم، وهل نُسِخَ ما كان؟ قيل: لا، بل بان بما استقر علَيْه الأمر آخراً السَّبُّ والإيذاء المطْلَقَان في الآيتين على ما رُوِيَ عن عبادة بن الصامت -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"خذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالْبِكرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ"(٣) وترك الجَلْد في حق الثيب لما سيأتي، وقيل: نسخ ما كان ثُمَّ على قول ابن سلمة: الحَبْس والإيذاء منسوخان بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢] وأما على قول الجمهور، فمن جوَّز نسخ الكتاب بالسُّنَّة، قال: نسخت عقوبة البكْر بآية الجلْد، وعقوبةُ الثيب
(١) بالقصر لغة أهل الحجاز، وبالمد لغة تميم وهو في اللغة مطلق الإيلاج، وفي الشرع: إيلاج حشفة أو قدرها في فرج محرم لعينه مشتهى طبعاً بلا شبهة. الجمل على المنهج (٥/ ١٢٨)، مغني المحتاج (٤/ ١٤٣). وأجمع المسلمون على تحريمه لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] (٢) تقدم. (٣) أخرجه مسلم من حديثه بهذا.