وقال الإمام -رحمه الله- بعد ذكر القولين: كنت أود لو فصل بين أن يكون المقر جاهلاً بأن ثمن الخمر لا يلزم، وبين أن يكون عالمًا، فيعذر الجاهل دون العالم، ولكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب. منها: إذا قال: عَلَيَّ أَلْفٌ من ثمن عبد لم أقبضه، إذا سلمه سلمت الألف، ففيه طريقان:
أحدهما: أن قبول قوله: من ثمن عبد لم أقبضه، على القولين السابقين، وفي قول يقبل، ولا يطالب بالألف إلاَّ بعد تسليم العبد.
وفي قول: يؤخذ بأول الإقرار، ولا يحكم بثبوت الألف ثمنًا، وهذا ما أورده في الكتاب.
وأصحهما: القطع بالقبول، وثبوته ثمنًا، ويفارق صور القولين، فإن المذكور آخرًا منها يرفع المقر به وهاهنا بخلافه، وعلى هذا فلو قال: عليَّ ألف من ثمن عبد، واقتصر عليه، ثم قال مفصولاً: لم اقبض ذلك العبد، قيل أيضًا لأنه علق الإِقرار بالعبد، والأصل فيه عدم القبض، نعم لو اقتصر على قوله: لفلان عليَّ ألف، ثم قال مفصولاً: هو من ثمن عبد، لم أقبضه لم يقبل، ولا فرق عندنا بين أن يُعَيِّنَ العبد، فيقول: عَلَيَّ ألف من ثمن هذا العبد، إِذا سلمه سلمت الألف، وبين أن يطلق، فيقول: من ثمن عبد. وقال أبو حنيفة رحمه الله: إنْ عين قُبِلَ، وإن أطلق لم يقبل، ولزمه الألف.
ومنها: لو قال: عليَّ الألف لا يلزمني، أو عليَّ ألف أو لا، لزمه الألف؛ لأنه غير منتظم (١) لو قال: عليَّ ألف قضيته، ففيه طريقان:
أحدهما: القطع بلزوم الألف، لقرب اللفظ من عدم الانتظام (٢) فإن ما قضاه لا يكون عليه، بخلاف قوله: من ثمن الخمر، فإنه ربما يظن لزومه وهذا أصحّ عند صاحب الكتاب.
وأصحهما: عند الجمهور أنه على القولين؛ لأن مثله يطلق في العرف، والتقدير كان عليَّ ألف فقضيته ولو قال ابتداء: كان لفلان عليَّ ألف فقضيته. يقبل فكذلك هاهنا
(١) قال النووي: هكذا رأيته في نسخ من كتاب الإمام الرافعي "عليَّ الالف، أو، لا"، وهو غلط. وقد صرح به صاحب "التهذيب" و"البيان": بأنه لا يلزمه في هذه الصورة شيء، كما لو قال: أنت طالق، أو، لا، فإنه لم يجزم بالالتزام، وما يبعد أن يكون الذي في كتاب الرافعي تصحيفًا من النساخ، أو تغييرًا مما في "التهذيب"، فقد قال في "التهذيب": لو قال: عليَّ ألف، لا، فهو إقرار، وهذا صحيح، وقرنه في "التهذيب" بقوله: بألف لا يلزمني، وهو نظيره. ومعظم نقل الرافعي من "التهذيب" و"النهاية"، وكيف كان، فالصواب الذي يقطع به: أنه إذا قال: ألف أو لا، فلا شيء عليه. ينظر الروضة ٤/ ٤٧. (٢) في ط: الألتزام.