للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: (وَأَمَّا التَّغْرِيرُ الفِعْلِيُّ) فَهُوَ أَنْ يُصَرِّي ضَرْعَ الشَّاةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ وَيُخَيِّلَ غَزَارَةَ اللَّبَنِ فَمَهْمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ ثَلاثةِ أَيَّام رَدَّها (ح) وَرَدَّ مَعَهَا صَاعاً مِنْ تَمْرٍ بَدَلاً عَنِ اللَّبَنِ الكَائِنِ في الضَّرْعِ الَّذِي تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ لاخْتِلاَطِهِ بِغَيْرِ المَبِيعِ لِوُرُودِ الخَبَرِ، وَلَوْ تَحَفَّلَتِ الشَّاةُ بِنَفْسِهَا، أَوْ صُرِّيَ الأَتَانُ، أَو الجَارِيةُ أَوْ لُطِّخَ الثَّوْبُ بِالمِدَادِ مُخَيِّلاً أَنَّهُ كَاتِبٌ فَلاَ خِيَارَ لَهُ (ح و)؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى النُّصُوص، وَأَحْوَطُ المَذْهَبَيْنِ أَنَّ غَيْرَ التَّمْرِ لاَ يَقُومُ مَقَامَ التَّمْرِ، وَأَنَّ قدْرَ الصَّاعِ لاَ يَنْقُصُ (و) بِقلَّةِ اللَّبَنَ وَلاَ يَزِيدُ بِكَثْرَتِهِ لْلاتِّبَاعِ.

قال الرافعي: السبب الثالث مِنْ أسباب الظَّن: الفعل المغرر، والأصل في صورة التَّصْرِية وهي أن يربط أَخْلاَف الناقة (١) أو غيرها ويترك حلابها يومين أو أكثر حتى


(١) قال في التوسط: شد الأخلاف خرج على الغالب بل لو تركها أياماً بلا حلب من غير شد الأخلاف بقصد غزارة اللبن ليراه المشتري فهو كالشد بلا خلاف وإنما المعتبر ترك حلبها قصداً. قال في الخادم: ولا حاجة للتقييد باليوم. قال أبو عبيد: المصراة هي الناقة أو البقرة أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها أي يجمع ويحبس، ومنه يقال صريت اللبن وصريته بالتخفيف والتشديد. وقال الإمام الشافعي -رضي الله عنه-. التصرية أن تربط أخلاف الناقة أو الشاة وتترك من الحلب اليومين والثلاثة حتى يجتمع لها لبن فيراه مشتريها كثيراً فيزيد في ثمنها. قالوا فظاهر قول أبي عبيد أن المصراة مأخوذة من التصرية، وهي الجمع، وظاهر قول الشافعي أنها مأخوذة من الصر وهو الربط. ثم ضعفوا قول الشافعي بأنه لو كانت مأخوذة من الصر لكان يقال لها المصررة؛ لأن لامها حينئذ راء لا ياء. والذي يتراءى في نظري أن قول الشافعي لا يخالف قول أبي عبيد بدليل أنه قال -التصرية أن تربط أخلاف الناقة حتى يجتمع لها لبن- فبين أن معنى التصرية هو الجمع. غاية ما في الأمر تكفل بزيادة بيان طريقهم في هذا الجمع، وعادتهم السائدة فيه بينهم فقال: -أن تربط الأخلاق اليومين والثلاثة، وفي معنى التصرية التحفيل، وقد وردت بعض الروايات الصحيحة مصرحة بهذا اللفظ أيضاً. ومنه قيل لمجامع الناس: محافل. والفقهاء كلهم على أن التصرية للبيع حرام، لأنها غش، وخداع، ومكر سيء، واحتيال على أكل أموال الناس بالباطل، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا". وكلهم كذلك على أن بيع المصراة مع ذلك صحيح، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يحكم ببطلان بيعها، وإنما جعل فقط الخيار لمبتاعها، وهو لا يكون إلا في عقد صحيح. وإنما اختلفوا في هل يثبت لمشتريها الخيار أم لا يثبت؟ فأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، -وبقولهما يفتى في المذهب الحنفي- على أنه لا خيار للمشتري في شرائه المصراة، بل البيع لازم له، وعليه الإمساك بالثمن المتفق عليه. والشافعية، والمالكية، والحنابلة، والظاهرية، وزفر، وأبو يوسف، من الحنفية وبعد ذلك جماهير العلماء على أن للمشتري الخيار بين الرد وبين الإمساك بالثمن المتفق عليه إذا كانت المصراة من بهيمة الأنعام، ولم يكن المشتري عالماً بالتصرية وقت الشراء. حجة أبي حنيفة ومحمد -أن مطلق البيع يقتضي صفة السلامة فيكون لازماً ما دام قد تحقق مقتضاه وبانعدام اللبن بالكلية لا تذهب صفة السلامة فيقتلها من باب أولى. فلا رد بالتصرية لأنها عبارة عن ظهور قلة اللبن. وقد اعترض الجمهور على ذلك بأن التصرية، وإن لم تكن عيباً لكن فيها تدليس وتغرير بالمشتري، وهو يثبت =

<<  <  ج: ص:  >  >>