قال الرافعي: الثَّاني من أسباب الظَّن اطِّراد العرف فَمَنْ دخل في العَقْد لتحصيل مال كان ظَانّاً صفة السلامة فيه، لأن سلامة الأَشْخَاص والأَعْيان عن العيوب المَذْمُومة هي الغَالبة، والغلبة من موجبات الظن، وحينئذ يكون بذله المال في مقابلة السليم، فإذا تبين العيب وجب أنْ يتمكن من التَّدارك، والأصل فيه من جهة النَّقْل ما روي عن عائشة -رضي الله عنها-: "أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى غُلاَماً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَكَانَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ الله تعالى ثم رَدَّهُ مِنْ عَيْبٍ وَجَدُهُ"(١). ومن باع عيناً وهو يعلم بها عيباً وجب عليه أن يبينه (٢) روي أنه-صلى الله عليه وسلم- قال:"لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا"(٣).
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"الْمُسْلِمُ أَخُ الْمُسْلِم لاَ يَحِلُّ لِمَنْ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا يَعْلَمُ فِيهِ عَيْباً إِلاَّ بَيَّنَهُ لَهُ"(٤).
إذا تقرر ذلك ففي الفصل ذكر عيوب (٥) معدودة:
(١) أخرجه الشافعي (١٢٦٧) وأبو داود (٣٥٠٨) والترمذي (١٢٨٥، ١٢٨٦) والنسائي (٧/ ٢٥٤) وابن ماجة (٢٢٤٢، ٢٢٤٣) وأحمد (٦/ ٤٩، ٨٠، ١١٦) وابن حبان، ذكره الهيثمي في الموارد (١١٢٥، ١٢٢٦) والحاكم في المستدرك (٢/ ١٥) وقال ابن حزم لا يصح، انظر خلاصة البدر (٢/ ٦٧). (٢) ويحب أيضاً على غير البائع ممن علمه إعلام المشتري. (٣) أخرجه أبو داود (٣٤٥٢) ولفظه: ليس منها من غش، وأخرجه مسلم بلفظ من غشناء (١٠١) والترمذي (١٣١٥) وابن ماجة (٢٢٢٤). (٤) أخرجه ابن ماجة (٢٢٤٦) والحاكم (٢/ ٢٨) وقال: صحيح على شرطهما. (٥) العيب والعيبة والعاب بمعنى واحد، وهو ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة مما يعد نقصاً. ويقال عاب المتاع وعابه زيد يتعدى ويلزم. وإضافة الخيار إليه من إضافة الشيء إلى سببه أي خيار سببه ومنشؤه ظهور عيب بالمبيع. ومعناه: في الاصطلاح ثبوت حق فسخ البيع، وإمضائه بظهور عيب بالمبيع كان عند البائع ولم يعلم به المشتري وقت البيع. والكتاب في الغالب قصروا التعريف على المشتري، لأن الغالب في العيب أن يكون بالمبيع، وكذلك فعلنا، وسننهج هذا النهج بالنسبة للأحكام والآثار أيضاً منعاً من تشعب الكلام مع الأعلام بأن كافة الأحكام التي تجري في جانب المشتري إذ اظهر عيب بالمبيع تجري أيضاً إذا ظهر عيب بالثمن في جانب البائع وأن العيب في الثمن كالعيب في المبيع سواء بسواء. وثبوت حق: الفسخ للمشتري بسبب العيب أعم من أن يكون دلس به البائع عليه -أي كتمه عنه- أو لم يدلس به، بأن كان هو الآخر غير عالم به؛ لأنه إنما شرع دفعاً للضرر عن المشتري، والضرر ثابت في الحالين على السواء. إلا أنه في حال التدليس يكون البائع آثماً ومرتكباً وزراً عظيماً؛ لأن التدليس غش وخداع ومكر سيء، وكل ذلك حرام يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" ويقول: "الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ". =