إذا تمهد ذلك فنورد مَسَائِلُ الفَصْلِ وما ينضم إليها من صور:
إحداها: حيثُ يُسَنُّ الرَّمَل، فإنما يسن في الأشْوَاطِ الثلاثة الأولى فأما الأربعة الأخيرة فالسنة فيها الهينة.
روي عن جابر:"أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَر فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَشى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلاَثاً وَمَشى أَرْبَعاً"(١) أو هل يستوعب الثلاثة الأولى بالرَّمَلِ؟ فيه قولان حكاهما الإمام:
أصحهما: وهو المشهور: نعم؛ لما روى:"أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلاَثاً وَمَشى أَرْبَعًا"(٢).
والثاني: لا، بل يترك الرَّملَ في كل طَوْفَةٍ بين الركنين اليمانيين، لما روي:"أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانُوا يَتَّئِدُونَ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمُ عَامَ الصَّدِّ أَنْ يَنْخلَّوا عَنْ بَطْحَاءِ مَكَّةَ إِذَا عَادَ لِقَضَاءِ الْعُمْرةِ" فلما عاد وفارقوا قعيقعان وهو: جبل في مقابلة الحجْر والمِيزَاب، وكانوا يظهرون القُوة والجلادَة حيث تقع أبصارُهم عَلَيْهِم، فإذا صَارُوا بين الركنين اليمَانيين كَانَ البَيْتُ حَائِلاً بينهم وبين أبْصَارِ الكُفَّارِ (٣).
الثَّانية: لا خلاف في أن الرَّمَلَ لا يُسَنُّ في كل طَوَافٍ، وفيم يسن؟ فيه قولان:
أحدهما: قال في "التهذيب"، هو الأصح:
الجديد: يسن في طواف القدوم والابتداء؛ لأنه أولُ العَهْدِ بالبيت، فيليق به النِّشاط والاهتزاز.
والثاني: إنما يُسَنُّ في طوافٍ يَسْتَعْقِبُ السَّعْي؛ لانتهائه إلى تَوَاصُلِ الحركات بين الجبلين، وهذا أظهر عند الأكْثرين ولم يتعرضوا لتاريخ القولين، ويشهد للأول ما روي:"أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَرْمَلْ فِي طَوَافِهِ بَعْدَ مَا أَفَاضَ"(٤).
(١) أخرجه مسلم (١٢١٨). (٢) أخرجه البخاري (١٦٠٤) ومسلم (١٢٦٢). (٣) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (٢/ ٢٤٩): لم أجده بهذا السياق، وللبخاري تعليقاً، ووصله الطبراني، والإسماعيلي من حديثه: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- لعامه الذي استأمن، قال: ارملوا ليرى المشركين قوتهم، والمشركون من قبل قعيقعان. قوله: (يتئدون) بالتاء المثناة المثقلة، والدال المهملة من التؤدة، ويقال: بازون بالباه الموحدة والزاي، يقال: تبازى في مشيته، إذا حرك عجيزته. (٤) أخرجه أبو داود (٢٠٠١) والنسائي في المناسك من الكبرى، وابن ماجة (٣٠٦٠)، والحاكم (١/ ٤٧٥).