وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت:"كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصْبِحُ جُنُبًا، فَيَغْتَسِلُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَرَأسُهُ يَقْطُرُ مَاء"(١).
والثاني: لا يستحب ذلك. وعلى هذا اختلفوا. منهم من قال: لا يستحب التَّنْشِيف أيضاً، وقد روي من فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التنشيف، وتركه، وكل حسن، ولا ترجيح، ومنهم من قال: يستحب التنشيف؛ لما فيه من الاحتراز عن التصاق الغبار، وإذا فرعنا على الأظهر، وهو استحباب الترك، فهل نقول التَّنْشِيفُ مَكْرُوهٌ؛ أم لا؟ فيه ثلاثة أوجه:
أظهرها: لا؛ "لأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اغْتَسَلَ، فَأَتَى بِمَلحَفَةٍ وَرَسِيَّةٍ، فَالْتَحَفَ بِهَا حَتَّى رُؤي أَثَرُ الوَرَسِ فِي عُكَتِهِ"(٢). ولو كان مكروهًا لما فعل.
والثالث: حُكِيَ عن القاضي الحسين: أنه إن كان في الصيف كره، وإن كان في الشتاء لم يكره؛ لعذر البرد.
الثالثة: أن لا ينفض يديه، فهو مكروه (٣) لما روى: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"إِذَا تَوَضَّأتُم فَلاَ تَنْفضُوا أَيْدِيَكُم، فَإِنَّهَا مَرَاوح الشَّيْطَانِ"(٤).
الرابعة: أن يحافظ على الدعوات (٥) الواردة في الوضوء، فيقول في غسل الوجه:"اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه"، وعند غسل اليد اليمنى:"اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً"، وعند غسل اليسرى: "اللهم لا تعطني
(١) قال الحافظ ابن حجر ١/ ٩٨، أخرجه النسائي في الصوم من طريق الشعبي عنها، وفي الصحيحين نحوه من حديث أبي هريرة. (٢) أخرجه أحمد ٦/ ٦، ٧، وأبو داود ٥١٨٥، والنسائي في عمل اليوم والليلة ٣٢٤، ٣٢٥، ٣٢٦، وابن ماجة ٤٦٦، ٣٦٠٤ وقال الحازمي: مختلف في إسناده، انظر التلخيص ١/ ٩٩ وخلاصة البدر ١/ ٤١. (٣) قال النووي: في النفض الأرجح: أنه مباح تركه وفعله سواء، والثاني مكروه، والثالث تركه أولى. والله أعلم. الروضة ١/ ١٧٣. (٤) أخرجه ابن أبي حاتم في العلل ١/ ٣٦، وقال: قال أبي: هذا حديث منكر والبختري ضعيف الحديث، وأبو مجهول، ورواه ابن حبان في المجروحين (١/ ٢٠٣) وقال البختري: يروى عن أبيه عن أبي هريرة نسخة فيها عجائب لا يحل الاحتجاج به إذا انفرد لمخالفته الأثبات في الروايات مع عدم تقدم عدالته، وانظر التلخيص ١/ ٩٩، ١٠٠. (٥) قال النووي: هذا الدعاء لا أصل له ولم يذكره الشافعي والجمهور. والله أعلم. الروضة ١/ ١٧٣.