وقوله تعالى:{وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [قال ابن عباس: ولم تختبروا حتى تفهموا وتسمعوا. وقال مقاتل:{وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا}] (١) أنها باطل (٢). ومعنى هذا: كذبتم بآياتي غير عالمين بها. يعني: ولم تتفكروا في صحتها بل كذبتم بها جاهلين غير مستدلين لا عن خبرة ولا عن معرفة ببطلانها {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا فيها. هذا مذهب أهل التفسير في هذه الآية (٣).
وذكر صاحب النظم وجهًا آخر؛ فقال: قوله: {وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} منسوق (٤) على قوله: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي} والاستفهام واقع عليه، إلا أن معنى الفصلين والاستفهامين مختلفان؛ لأن قوله:{أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي} تبكيت وإنكار؛ بمعنى: لمَ كذبتم بآياتي، وقوله:{وَلَمْ تُحِيطُوا}[بمنزلة: أوَ لَمْ تحيطوا بها علمًا](٥)، أي: بالآيات، وتأويله: وقد أحطتم بها علمًا، كما قال -عز وجل-: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} أي: قد شرحنا، فيكون التأويل: لِمَ كذبتم بآياتي وقد أحطتم بها علمًا، فلما كان {لَمْ} استفهامًا احتمل أن يوضع موضعه ألف الاستفهام؛ ثم بين -عز وجل- كيف أحاطوا بالآيات علمًا فصار ذلك تأييدًا لمذهبنا هذا؛ وهو قوله من بعده:{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ} الآية، وقد تضع العرب الاستفهام في غير موضعه إذا
(١) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ج). (٢) "تفسير مقاتل" ٦٢ ب. (٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٣٦ ب. (٤) أي: معطوف. (٥) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ج). وفي نسخة (ب): بمنزلة: أو لم تحيطوا، وفي نسخة (أ) بمنزلة: ثم تحيطوا. ويوجد طمس في الحرف الذي قبل: لم.