النهي، المعنى: إن تنزل عنه (١) لا يطرحك (٢)، فإذا أتيت بالنون الخفيفة والثقيلة كان أوكد للكلام.
وشرح أبو بكر بن الأنباري هذا القول فقال: إن قال قائل كيف دخلت النون في قوله: {لَا تُصِيبَنَّ} وهو خبر ولا وجه لدخولها في الأخبار.
فالجواب: أن هذا الكلام تأويله تأويل الخبر؛ إذ كان (٣) المعنى: واتقوا فتنة إن لا تتقوها (٤) لا تصيب الذين ظلموا (٥)، أي: لا تقع بالظالمين دون غيرهم لكنها تقع بالصالحين والطالحين، فلما ظهر الفعل ظهور النهي، والنهي راجع إلى معنى الأمر؛ إذ القائل إذا قال (٦): لا تقم، يريد دع القيام، ووقع هذا جوابًا للأمر أو كالجواب له، فأكد له شبه النهي فدخلت النون المعروف دخولها في النهي، ومثل (٧) هذا قوله تعالى:
(١) هكذا في جميع النسخ، وهو كذلك في أصل "معاني القرآن وإعرابه" كما أشار المحقق إلى ذلك، لكنه جعل الضمائر كلها بالتذكير وهو صواب إذ في "لسان العرب" (دبب) ٣/ ١٣١٤: الدابة: التي تركب، وقد غلب هذا الاسم على ما يركب من الدواب، وهو يقع على المذكر والمؤنث، وحقيقته الصفة اهـ. وكذلك ذكر أبو علي الفارسي الجملة بالتذكير، انظر: "الإغفال" ص ٨٣٥. (٢) في (ح) و (س): (لا تطرحك). (٣) في (م): (لو كان)، وهو خطأ. (٤) في "زاد المسير": إن لا يتقوها ... إلخ. (٥) يعني: خاصة. (٦) في "زاد المسير": يقول، وسقط: إذا. (٧) ذكر ابن الجوزي إن التمثيل بالآية المذكورة لقول آخر عن ابن الأنباري في سبب دخول النون، فقال: الثاني أنه نهي محض، معناه: لا يقصدن الظالمون هذه الفتنة فيهلكوا، فدخلت النون لتوكيد الاستقبال، كقوله: {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ}. انظر: "زاد المسير" ٣/ ٣٤٢، وسيذكر المؤلف هذا القول عن ابن الأنباري شرحه للوجه الثاني في الآية.