الجمعة في سنة ستٍّ والشيخ عَبْد الله اليونينيّ [١] إِلى جانبي، فلمّا كَانَ في آخر الخطبة والشيخ أَبُو عُمَر يخطب نهض الشيخ عَبْد الله مُسرعًا وصعد إِلى مغارة توبة [٢] ، وكان نازلا بها، فظننتُ أَنَّهُ احتاج إِلى وضوء أو آلمه شيء، فصلّيت وطلعت وراءه وقلت لَهُ: خير ما الّذي أصابك؟ فَقَالَ: هذا أَبُو عُمَر ما تحلّ خلفه صلاة، يَقُولُ عَلَى المنبر المَلِك العادل وهو ظالم فَما يَصْدُق.
قلت: إذَا كانت الصّلاة خلفه لا تصحّ فخلف مَنْ تَصِحّ؟ فبينا نحن في الحديث إذ دخل الشيخ وسَلّم وحل مئزره وفيه رغيف وخيارتان، فكسر الجميع، وقال: بسم الله الصلاة، ثُمَّ قَالَ ابتداء: قد روي في الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وُلِدْتُ في زَمَنِ الملِكِ العادِلِ كِسْرى»[٣] . فنظر إليَّ الشيخ عَبْد الله وتبسّم وأكل وقام الشيخ أَبُو عُمَر فنزل، فَقَالَ لي الشيخ عَبْد الله: ماذا إلّا رَجُل صالح.
قَالَ أَبُو المظفّر [٤] : وأصابني قولنج فدخل عليّ أَبُو عُمَر وبيده خَرُّوب [٥] مدقوق فَقَالَ: استفّ [٦] هذا، وعندي جماعة، فقالوا: هذا يزيد القولنج ويضرّه، فَما التفتُّ إِلى قولهم، وأكلته، فبرأت في الحال. وقلت لَهُ يوما- وما كَانَ يردّ أحدا في شفاعة- وقد كتب رقعة إِلى المَلِك المُعَظَّم:
كيف تكتب هذا والملك المُعَظَّم عَلَى الحقيقة هُوَ الله؟ فتبسّم ورمى إليَّ الورقة، وقال: تأمّلها، وإذا قد كتب المعَظِّم وكسر الظّاء، فعجبت من ورعه.
قلت [٧] : وفي هذا ومثله إنّما يُلحظ العلميّة لا الصّفة مثل: عليّ،
[١] اليوناني: نسبة إلى بلدة يونين القريبة من بعلبكّ. [٢] تحرفت في المطبوع من المرآة إلى: موبة. [٣] هذا حديث باطل لا أصل له، نبّه على بطلانه غير واحد من المحدثين انظر «المقاصد الحسنة» للسخاوي ص ٤٥٤. [٤] في مرآة الزمان ٨/ ٥٤٩- ٥٥٠. [٥] في المرآة: «خرنوب» . [٦] في المرآة: «اشتف» وهو تصحيف. [٧] القول للذهبي المؤلف- رحمه الله-.