وقد أنكر مقالةَ الأشاعرة هذه بعضُ أئمتهم، يقول الشهرستاني:"فإن الفطرة السليمة الإنسانية شهدت - بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها - على صانع حكيم عالم قدير، ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [إبراهيم: ١٠]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف: ٩] وإن هم غفلوا عن هذه الفطرة في حال السراء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضراء: ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: ٢٢]، ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٦٧]، ولهذا لم يرد التكليف بمعرفة وجود الصانع، وإنما ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشريك"(٢)، فهو يرى أن معرفة الله فطرية لا تحتاج إلى نظر واستدلال.
وممن أنكر هذه المقالة أيضًا: أبو جعفر السُّمْنَاني (٣)، قال الحافظ ابن حجر ﵀: "وقد نقل القدوة أبو محمَّد بن أبي جَمْرة (٤) عن أبي الوليد
(١) انظر: المواقف للإيجي (٣٢)، وشرح المقاصد (١/ ٢٧٢)، ودرء التعارض (٧/ ٤١٩). (٢) نهاية الإقدام (١٢٤). (٣) هو: أبو جعفر، محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي الأشعري، قاضي الموصل، مات بالموصل سنة (٤٤٤ هـ). انظر: تاريخ بغداد (٢/ ٢١٧)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ٦٥١). (٤) هو: أبو محمد، عبد الله بن سعد بن سعيد بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي، من العلماء بالحديث، مالكي، أصله من الأندلس، من كتبه: "جمع النهاية"، و"بهجة النفوس"، وله مختصر على البخاري، مات بمصر سنة (٦٩٥ هـ). =