٥٩١- قدم إلى بغداد جماعة من أهل البدع الأعاجم، فارتقوا منابر التذكير للعوام، فكان معظم مجالسهم أنهم يقولون: ليس لله في الأرض كلام! وهل المصحف إلا ورق وعفص١ وزاج٢؟! وإن الله ليس في السماء! وإن الجارية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أين الله؟ "٣: كانت خرساء، فأشارت إلى السماء، أي: ليس هو من الأصنام التي تعبد في الأرض! ثم يقولون: أين الحروفية الذين يزعمون أن القرآن حرف وصوت؟! هذا عبارة جبريل!!
فما زالوا كذلك، حتى هان تعظيم القرآن في صدور أكثر العوام، وصار أحدهم يسمع فيقول: هذا هو الصحيح؛ وإلا، فالقرآن شيء يجيء به جبريل في كيس!
فشكا إلى جماعة من أهل السنة، فقلت لهم: اصبروا، فلا بد للشبهات أن ترفع رأسها في بعض الأوقات، وإن كانت مدموغة٤، وللباطل جولة، وللحق صولة، والدجالون كثير، ولا يخلو بلد ممن يضرب البهرج٥ على مثل سكة السلطان.
١ العفص: نوع من شجر البلوط، يتخذ منه صبغ وحبر. ٢ الزاج: أحد أملاح الكبريت، يستعمل في خلطة حبر الكتابة، ويسمى الشب اليماني. ٣ عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية: "أين الله؟ " قالت: في السماء، قال:"من أنا"؟ قالت: أنت رسول الله، قال: "أعتقها فإنها مؤمنة". رواه مسلم "٥٣٧" وهذا نص في أن الجارية لم تكن خرساء. ٤ مكسورة: لا حجة لها. ٥ البهرج: الزائف إما ينقص وزنه أو نقص عياره أو بهما جميعًا، وهي تشبه ما يضربه السلطان من دنانير ودراهم صحيحة.