قالَ أبو الدَّرْداءِ والحَسَنُ (١): إنَّما أنتَ أيَّامٌ، كلَّما مَضى منكَ يومٌ؛ مَضى بعضُكَ.
[وأنْشَدَ بعضُهُم]:
إنَّا لَنَفْرَحُ بِالأيَّامِ نَقْطَعُها … وَكُلُّ يَوْمٍ مَضى يُدْني مِنَ الأجَلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدًا … فَإنَّما الرِّبْحُ وَالخُسْرانُ في العَمَلِ
قالَ بعضُ الحكماءِ: كيفَ يَفْرَحُ بالدُّنيا مَن يومُهُ يَهْدِمُ شهرَهُ، وشهرُهُ يَهْدِمُ سنتَهُ، وسنتُهُ تَهْدِمُ عمرَهُ؟! كيفَ يَفْرَحُ مَن يَقودُهُ عمرُهُ إلى أجلِهِ وحياتُهُ إلى موتِهِ؟!
تَزيدُ سُرورًا (٢) بِالهِلالِ إذا بَدا … وَما هُوَ إلَّا السَّيْفُ لِلْحَتْفِ يُنْتَضَى
إذا قيلَ تَمَّ العامُ فَهْوَ كِنايَةٌ … وَتَرْجَمَةٌ عَنْ شَطْرِ عُمْرٍ قَدِ انْقَضى
قالَ الحَسَنُ: الموتُ معقودٌ بنواصيكُم، والدُّنيا تُطْوى مِن ورائِكُم.
نَسيرُ إلى الآجالِ في كُلِّ لَحْظَةٍ … وَأعْمارُنا تُطْوى وَهُنَّ مَراحِلُ
تَرَحَّلْ مِن الدُّنْيا بِزادٍ مِنَ التُّقى … فَعُمْرُكَ أيَّامٌ وَهُنَّ قَلائِلُ
قالَ بعضُ الحكماءِ: مَن كانَتِ الليالي والأيَّامُ مطاياهُ؛ سارَتْ بهِ وإنْ لمْ يَسِرْ.
وما هذهِ الأيَّامُ إلَّا مَراحِلٌ … يَحُثُّ بِها حادٍ إلى المَوْتِ قاصِدُ
وَأعْجَبُ شَيْءٍ لَوْ تَأمَّلْتَ أنَّها … مَنازِلُ تُطْوى وَالمُسافِرُ قاعِدُ
قالَ بعضُ الحكماءِ: قدِ اعْتَوَرَكَ الليلُ والنَّهارُ، فالليلُ يَدْفَعُكَ إلى النَّهارِ والنَّهارُ يَدْفَعُكَ إلى الليلِ، حتَّى يَأْتِيَكَ الموتُ.
أيا وَيْحَ نَفْسي مِنْ نَهارٍ يَقودُها … إلى عَسْكَرِ المَوْتى وَلَيْلٍ يَذودُها
• يا مَن كلَّما طالَ عمرُهُ زادَ ذنبُه! يا مَن كلَّما أبْيَضَّ شعرُهُ بمرورِ الأيَّامِ اسْوَدَّ بالآثامِ قلبُه!
شَيْخٌ كَبيرٌ لَهُ ذُنوبُ … تَعْجِزُ عَنْ حَمْلِها المَطايا
قَدْ بَيَّضَتْ شَعْرَهُ الليالي … وَسَوَّدَتْ قَلْبَهُ الخَطايا
يا مَن تَمُرُّ عليهِ سنةٌ بعدَ سنة وهوَ مستثقلٌ في نومِ الغفلةِ والسِّنة! يا مَن يَأْتي عليهِ
(١) كذا في خ و ن و ط، وفي م: "قال الحسن عن أبي الدرداء".
(٢) في خ: "تجدد سرورًا"! وفي ن: "نجد سرورًا"! والصواب ما أثبتّه من م.