وَتَعْرِيفُ الْكِتَابِ لِلْعَهْدِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ.
وتِبْياناً مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ. وَالتِّبْيَانُ مَصْدَرٌ دَالٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَصْدَرِيَّةِ، ثُمَّ أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ فَحَصَلَتْ مُبَالَغَتَانِ، وَهُوَ- بِكَسْرِ التَّاءِ-، وَلَا يُوجَدُ مَصْدَرٌ بِوَزْنِ تِفْعَالٌ- بِكَسْرِ التَّاءِ- إِلَّا تِبْيَانٌ بِمَعْنَى الْبَيَانِ كَمَا هُنَا. وتلقاء بِمَعْنَى اللِّقَاءِ لَا بِمَعْنَى الْمَكَانِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَصَادِرِ الْوَارِدَةِ عَلَى هَذِهِ الزّنة فَهِيَ- بِفَتْحِ التَّاءِ-.
وَأَمَّا أَسْمَاءُ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى هَذِهِ الزِّنَةِ فَهِيَ- بِكَسْرِ التَّاءِ- وَهِيَ قَلِيلَةٌ، عُدَّ مِنْهَا: تِمْثَالٌ، وَتِنْبَالٌ، لِلْقَصِيرِ. وَأَنْهَاهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي نَظْمِ الْفَوَائِدِ (١) إِلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً (٢) .
وَ «كُلُّ شَيْءٍ» يُفِيدُ الْعُمُومَ إِلَّا أَنَّهُ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ فِي دَائِرَةِ مَا لِمِثْلِهِ تَجِيءُ الْأَدْيَانُ وَالشَّرَائِعُ: مِنْ إِصْلَاحِ النُّفُوسِ، وَإِكْمَالِ الْأَخْلَاقِ، وَتَقْوِيمِ الْمُجْتَمَعِ الْمَدَنِيِّ، وَتَبَيُّنِ الْحُقُوقِ، وَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، وَصِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا
يَأْتِي فِي خِلَالِ ذَلِكَ مِنَ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ وَالدَّقَائِقِ الْكَوْنِيَّةِ، وَوَصْفِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ، وَأَسْبَابِ فَلَاحِهَا وَخَسَارِهَا، وَالْمَوْعِظَةِ بِآثَارِهَا بِشَوَاهِدِ التَّارِيخِ، وَمَا يَتَخَلَّلُ ذَلِكَ مِنْ قَوَانِينِهِمْ وَحَضَارَاتِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ.
وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ كُلِّهِ أَسْرَارٌ وَنُكَتٌ مِنْ أُصُولِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ صَالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ الْحَقِيقِيِّ إِنْ سَلَكَ فِي بَيَانِهَا طَرِيقَ التَّفْصِيلِ وَاسْتُنِيرَ فِيهَا بِمَا شَرَحَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قَفَاهُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَعُلَمَاءُ أُمَّتِهِ، ثُمَّ مَا يَعُودُ إِلَى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مِنْ وَصْفِ مَا أَعَدَّ لِلطَّائِعِينَ وَمَا أَعَدَّ لِلْمُعْرِضِينَ، وَوَصْفِ عَالَمِ الْغَيْبِ وَالْحَيَاةِ الْآخِرَةِ.
فَفِي كُلِّ ذَلِكَ بَيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ يُقْصَدُ بَيَانُهُ لِلتَّبَصُّرِ فِي هَذَا الْغَرَض الْجَلِيل، فيؤول ذَلِكَ الْعُمُومُ الْعُرْفِيُّ بِصَرِيحِهِ إِلَى عُمُومٍ حَقِيقِيٍّ بِضِمْنِهِ وَلَوَازِمِهِ. وَهَذَا مِنْ أَبْدَعَ الْإِعْجَازِ.
(١) منظومة لَيست على رُوِيَ وَاحِد كَذَا فِي «كشف الظنون» .(٢) انظرها فِي تَفْسِير الألوسي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute