[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٥٧]
وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)
عَطْفُ وَظَلَّلْنا على بَعَثْناكُمْ [الْبَقَرَة: ٥٦] . وَتَعْقِيبُ ذِكْرِ الْوَحْشَةِ بِذِكْرِ جَائِزَةٍ شَأْنُ الرَّحِيمِ فِي تَرْبِيَةِ عَبْدِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَظْلِيلَ الْغَمَامِ وَنُزُولَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى كَانَ قَبْلَ سُؤَالِهِمْ رُؤْيَةَ اللَّهِ جَهْرَةً لِأَنَّ التَّوْرَاةَ ذَكَرَتْ نُزُولَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى حِينَ دُخُولِهِمْ فِي بَرِّيَّةِ سِينَ بَيْنَ إِيلِيمَ وَسِينَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ حِينَ اشْتَاقُوا أَكْلَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ لِأَنَّهُمْ فِي رِحْلَتِهِمْ مَا كَانُوا يَطْبُخُونَ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ مِنْ أَلْبَانِ مَوَاشِيهِمُ الَّتِي أَخْرَجُوهَا مَعَهُمْ وَمِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ. وَأَمَّا تَظْلِيلُهُمْ بِالْغَمَامِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ سَأَلُوا رُؤْيَةَ اللَّهِ لِأَنَّ تَظْلِيلَ الْغَمَامِ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ نَصَبَ لَهُمْ مُوسَى خَيْمَةَ الِاجْتِمَاعِ مَحَلَّ الْقَرَابِينِ وَمَحَلَّ مُنَاجَاةِ مُوسَى وَقِبْلَةَ الدَّاعِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَرِّيَّةِ سِينَا فَلَمَّا تَمَّتِ الْخَيْمَةُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنْ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ غَطَّتْ سَحَابَةٌ خَيْمَةَ الشَّهَادَةِ وَمَتَى ارْتَفَعَتِ السَّحَابَةُ عَنِ الْخَيْمَةِ فَذَلِكَ إِذْنٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِالرَّحِيلِ فَإِذَا حَلَّتِ السَّحَابَةُ حَلُّوا إِلَخْ كَذَا تَقُولُ كُتُبُهُمْ (١) . فَلَمَّا سَأَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ كَانَ الْمَنُّ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ فِي الصَّبَاحِ وَالسَّلْوَى تَسْقُطُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَسَاءِ بِمِقْدَارِ مَا يَكْفِي جَمِيعَهُمْ لِيَوْمِهِ أَوْ لَيْلَتِهِ إِلَّا يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَيَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا ضِعْفُ الْكِمِّيَّةِ لِأَنَّ فِي السَّبْتِ انْقِطَاعَ النُّزُولِ.
وَالْمَنُّ مَادَّةٌ صَمْغِيَّةٌ جَوِّيَّةٌ يَنْزِلُ عَلَى شَجَرِ الْبَادِيَةِ شِبْهُ الدَّقِيقِ الْمَبْلُولِ، فِيهِ حَلَاوَةٌ إِلَى الْحُمُوضَةِ وَلَوْنُهُ إِلَى الصُّفْرَةِ وَيَكْثُرُ بِوَادِي تِرْكِسْتَانَ وَقَدْ يَنْزِلُ بِقِلَّةٍ غَيْرِهَا وَلَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ قَبْلُ
فِي بَرِّيَّةِ سِينَا. وَقَدْ وَصَفَتْهُ التَّوْرَاةُ (٢) بِأَنَّهُ دَقِيقٌ مِثْلَ الْقُشُورِ يَسْقُطُ نَدًى كَالْجَلِيدِ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ مِثْلُ بِزْرِ الْكُزْبَرَةِ أَبْيَضُ وَطَعْمُهُ كَرُقَاقٍ بِعَسَلٍ وَسَمَّتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَنًّا، وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ لَا يُبْقُوا مِنْهُ لِلصَّبَاحِ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ فِيهِ دُودٌ وَأَنْ يَلْتَقِطُوهُ قَبْلَ أَنْ تَحْمَى الشَّمْسُ لِأَنَّهَا تُذِيبُهُ فَكَانُوا إِذَا الْتَقَطُوهُ طَحَنُوهُ بِالرَّحَا أَوْ دَقُّوهُ بِالْهَاوُنِ وَطَبَخُوهُ فِي الْقُدُورِ وَعَمِلُوهُ مِلَّاتٍ وَكَانَ طَعْمُهُ كَطَعْمِ قَطَائِفَ بِزَيْتٍ (٣) وَأَنَّهُمْ أَكَلُوهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى جَاءُوا إِلَى طَرَفِ أَرْضِ كَنْعَانَ يُرِيدُ إِلَى حَبْرُونَ.
(١) سفر الْخُرُوج من الإصحاح ٢٥- ٣٣ وسفر الْعدَد الإصحاح ٩.(٢) سفر الْخُرُوج الإصحاح ١٦.(٣) سفر الْعدَد الإصحاح ١١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute