وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عَمرو القطراني، حدثنا محمد بن الطفيل، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن جبلة بن حارثة -وهو أخو زيد بن حارثة-أن النبي ﷺ قال:"إذا أويت إلى فراشك فاقرأ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ "حتى تمر بآخرها، فإنها براءة من الشرك"(١)[والله أعلم وهو حسبي ونعم الوكيل]. (٢)
وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن فروة بن نوفل، عن الحارث بن جبلة قال: قلت: يا رسول الله، علمني شيئا أقوله عند منامي. قال:"إذا أخذت مضجعَك من الليل فاقرأ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ "فإنها براءة من الشرك". (٣)
وروى الطبراني من طريق شريك، عن جابر (٤) عن معقل الزبيدي، عن [عباد أبي الأخضر عن خباب](٥) أن رسول الله ﷺ كان إذا أخذ مضجعه قرأ: " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ "حتى يختمها (٦).
هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله:(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) شمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين (٧) بهذا الخطاب هم كفارُ قريش.
وقيل: إنهم من جهلهم دَعَوا رسول الله ﷺ إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة، وأمر رسوله ﷺ فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال:(لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) يعني: من الأصنام والأنداد، (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) وهو الله وحده لا شريك له. ف "ما" هاهنا بمعنى "من".
ثم قال:(وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) أي: ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه؛ ولهذا قال:(وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) أي: لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئًا من تلقاء أنفسكم، كما قال: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [النجم: ٢٣] فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده، وعبادة (٨)
(١) المعجم الكبير (٢/ ٢٨٧)، وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ١٢١): "رجاله وثقوا". (٢) زيادة من أ. (٣) لم أقع عليه في المطبوع من المسند، وذكره الحافظ ابن حجر في أطراف المسند (٢/ ٢٢٠). (٤) وقع في المعجم الكبير: "عن شريك وجابر" مقرونا وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. (٥) زيادة من المعجم الكبير (٤/ ٨١). (٦) المعجم الكبير (٤/ ٨١) ورواه البزار في مسنده برقم (٣١١٣) "كشف الأستار"، وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ١٢١): "وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف". (٧) في أ: "ولكن المواجهون". (٨) في م: "وعبادته".