سبيل الله ألف شهر، قال: فَعَجب المسلمون من ذلك، قال: فأنزل الله ﷿: (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر (١).
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا حَكَّام بن سلم، عن المثنى بن الصباح، عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية:(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل (٢).
وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس، أخبرنا ابن وهب، حدثني مسلمة بن عُلَيّ، عن علي بن عروة قال: ذكر رسول الله ﷺ يوما أربعة من بني إسرائيل، عبدوا الله ثمانين عامًا، لم يَعْصوه طرفة عين: فذكر أيوب، وزكريا، وحزْقيل بن العجوز، ويوشع بن نون -قال: فعجب (٣) أصحاب رسول الله ﷺ من ذلك، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، عَجِبَتْ أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة، لم يَعْصُوه طرفة عين؛ فقد أنزل الله خيرًا من ذلك. فقرأ عليه:(إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك. قال: فَسُرَّ بذلك رسول الله ﷺ والناس معه (٤).
وقال سفيان الثوري: بَلَغني عن مجاهد: ليلةُ القدر خير من ألف شهر. قال: عَمَلها، صيامها وقيامها خير من ألف شهر. رواه ابن جرير.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا ابن أبي زائدة، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: ليلة القدر خير من ألف شهر، ليس في تلك الشهور ليلة القدر. وهكذا قال قتادة بن دعامة، والشافعي، وغير واحد.
وقال عمرو بن قيس الملائي: عمل فيها خير من عمل ألف شهر.
وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر -وليس فيها ليلة القدر-هو اختيارُ ابن جرير. وهو الصواب لا ما عداه، وهو كقوله ﷺ:"رِباطُ ليلة في سبيل الله خَيْر من ألف ليلة فيما سواه من المنازل". رواه أحمد (٥) وكما جاء في قاصد الجمعة بهيئة حسنة، ونية صالحة:"أنه يُكتَبُ له عمل سنة، أجر صيامها وقيامها" إلى غير ذلك من المعاني المشابهة لذلك.
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن أبي قِلابَة، عن أبي هُريرة قال: لما حضر رمضان قال رسول الله ﷺ: "قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، افترض الله
(١) ورواه الثعلبي في تفسيره والواحدي في أسباب النزول كما في تخريج الكشاف للزيلعي (٤/ ٢٥٣) من طريق مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد به مرسلا. (٢) تفسير الطبري (٣٠/ ١٦٧). (٣) في أ: "فتعجب". (٤) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٥٦٩) وعزاه لابن أبي حاتم. (٥) المسند (١/ ٦٢) من حديث عثمان، ﵁.