بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديًا! فأنزل الله:(فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) قال ابن عباس: لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته (١) وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا إسماعيل بن زيد أبو يزيد، حدثنا فُرَات، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال أبو جهل: لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه. قال: فقال: "لو فعل لأخذته الملائكة عيانًا، ولو أن اليهود تَمَنَّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يُبَاهلون رسول الله ﷺ لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا"(٢).
وقال ابن جرير أيضا: حدثنا ابن حميد، حدثنا يحيى بن واضح، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن الوليد بن العيزار، عن ابن عباس قال: قال أبو جهل: لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه. فأنزل الله،﷿: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ (٣) حتى بلغ هذه الآية: (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) فجاء النبي ﷺ فصلى (٤) فقيل: ما يمنعك؟ قال: قد اسودّ ما بيني وبينه من الكتائب. قال ابن عباس: والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه (٥).
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر، عن أبيه، حدثنا نعيم بن أبي هند، عن أبي حازم، عن أبي هُرَيرة قال: قال أبو جهل: هل يعفِّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم. قال: فقال: واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته (٦) ولأعفِّرن وجهه في التراب، فأتى رسول الله ﷺ وهو يُصَلي ليطأ على رقبته، قال: فما فَجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه خَنْدقا من نار وهَولا وأجنحة. قال: فقال رسول الله: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا". قال: وأنزل الله -لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا-: (كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى) إلى آخر السورة.
وقد رواه أحمد بن حنبل، ومسلم، والنسائي، وابن أبي حاتم، من حديث معتمر بن سليمان، به (٧).
وقوله:(كَلا لا تُطِعْهُ) يعني: يا محمد، لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها، وصلِّ حيث شئت ولا تباله؛ فإن الله حافظك وناصرك، وهو يعصمك من الناس، (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) كما ثبت في الصحيح -عند مسلم-من طريق عبد الله بن وهب، عن
(١) المسند (١/ ٣٢٩) وسنن الترمذي برقم (٣٣٤٩) وتفسير الطبري (٣٠/ ١٦٤). (٢) المسند (١/ ٢٤٨). (٣) زيادة من أ. (٤) في أ: "يصلى". (٥) تفسير الطبري (٣٠/ ١٦٥). (٦) في م: "على عنقه". (٧) تفسير الطبري (٣٠/ ١٦٥) والمسند (٢/ ٣٧٠) وصحيح مسلم برقم (٢٧٩٧) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٨٣).