وقوله:(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)؟ أي: فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن، مع ظهوره ووضوحه، وبيان كونه جاء (١) من عند الله ﷿، كما قال الصديق، ﵁، لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين، وأمرهم فتلوا عليه شيئا من قرآن مسيلمة الذي هو في غاية الهذيان والركاكة، فقال: ويحكم، أين يُذهَب بعقولكم (٢)؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إلٍّ، أي: من إله.
وقال قتادة:(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) أي: عن كتاب الله وعن طاعته.
وقوله:(إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) أي: هذا القرآن ذكر لجميع الناس، يتذكرون به ويتعظون، (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) أي: من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن، فإنه منجاةٌ له وهداية، ولا هداية فيما سواه، (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) أي: ليست المشيئة موكولة إليكم، فمن شاء اهتدى ومن شاء ضل، بل ذلك كله تابع لمشيئة الله ﷿ رب العالمين.
قال سفيان الثوري، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى: لما نزلت هذه الآية: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) قال أبو جهل: الأمر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم. فأنزل الله:(وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(٣).
آخر تفسير سورة "التكوير" ولله الحمد [والمنة](٤).
(١) في م "حقا". (٢) في م: "أين تذهب عقولكم". (٣) رواه الطبري في تفسيره (٣٠/ ٥٣). (٤) زيادة من م.