وقال بعض الأئمة: إنما قيل للنجوم: "الخنس"، أي: في حال طلوعها، ثم هي جوار في فلكها، وفي حال غيبوبتها يقال لها: "كُنَّس" من قول العرب: أوى الظبي إلى كنَاسة: إذا تغيب فيه.
وقال الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) قال: بقر الوحش. وكذا قال الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عبد الله: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) ما هي يا عمرو؟ قلت: البقر. قال: وأنا أرى ذلك.
وكذا روى يونس عن أبي إسحاق، عن أبيه.
وقال أبو داود الطيالسي، عن عمرو، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) قال: البقر [الوحش] (١) تكنس إلى الظل. وكذا قال سعيد بن جبير.
وقال العوفي، عن ابن عباس: هي الظباء. وكذا قال سعيد أيضا، ومجاهد، والضحاك.
وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد: هي الظباء والبقر.
وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا هُشَيْم، أخبرنا مغيرة (٢) عن إبراهيم ومجاهد: أنهما تذاكرا هذه الآية: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) فقال إبراهيم لمجاهد: قل فيها بما سمعت. قال: فقال مجاهد: كنا نسمع فيها شيئا، وناس يقولون: إنها النجوم. قال: فقال إبراهيم: قل فيها بما سمعت. قال: فقال مجاهد: كنا نسمع أنها بقر الوحش حين تكنس في حُجْرتها. قال: فقال إبراهيم: إنهم يكذبون على عليّ، هذا كما رووا عن علي أنه ضمن الأسفل الأعلى، والأعلى الأسفل.
وتوقف ابن جرير في قوله: (الْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) هل هو النجوم، أو الظباء وبقر الوحش؟ قال: ويحتمل أن يكون الجميع مرادا.
وقوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) فيه قولان:
أحدهما: إقباله بظلامه. قال مجاهد: أظلم. وقال سعيد بن جبير: إذا نشأ. وقال الحسن البصري: إذا غَشى الناس. وكذا قال عطية العوفي.
وقال علي بن أبي طلحة، والعوفي عن ابن عباس: (إِذَا عَسْعَسَ) إذا أدبر. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، وكذا قال زيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن: (إِذَا عَسْعَسَ) أي: إذا ذهب فتولى.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتَري، سمع أبا عبد الرحمن السلمي قال: خرج علينا علي، ﵁، حين ثَوّب المثوب بصلاة الصبح فقال: أين السائلون عن الوتر: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)؟ هذا حين أدبر حسن.
(١) زيادة من م.
(٢) في أ: "سفيان".