نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخَرَار -من الجحفة-اغتسل سهلُ بن حُنَيف -وكان رجلا أبيض حَسن الجسم والجلد-فنظر إليه عامر بن ربيعة، أخو بني عدي بن كعب، وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مُخَبَّأة. فلُبِطَ سهل، فأتي رسول الله ﷺ فقيل له: يا رسول الله، هل لك في سهل. والله ما يرفع رأسه ولا يُفيق. قال:"هل تتهمون فيه من أحد؟ ". قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة. فدعا رسول الله ﷺ عامرا، فتغيظ عليه، وقال:"علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بَركت؟ ". ثم قال له:"اغتسل له" -فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه ودَاخلَة إزاره في قَدح-ثم صُب ذلك الماء عليه. يَصُبَه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفأ (١). القدح وراءه. ففعل ذلك، فراح سهل مع الناس، ليس به بأس (٢).
حديث عامر بن ربيعة:"قال الإمام أحمد في مسند عامر: حدثنا وَكِيع، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن عيسى، عن أمَيّة بن هند بن سهل بن حُنَيْف، عن عبد الله بن عامر قال: انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل، قال: فانطلقا يلتمسان الخمرَ -قال: فوضع عامر جُبَّة كانت عليه من صوف، فنظرت إليه فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل. قال: فسمعت له في الماء فرقعة، فأتيته فناديته ثلاثا فلم يجبني. فأتيت النبي ﷺ فأخبرته. قال: فجاء يمشي فخاض الماء كأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فضرب صدره بيده ثم قال: "اللهم اصرف عنه حرها وبردها ووصبها". قال: فقام. فقال رسول الله ﷺ: "إذا رأى أحدكم من أخيه، أو من نفسه أو من ماله، ما يعجبه، فَليُبَرِّك، فإن العين حق" (٣).
حديث جابر: قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمد بن مَعْمَر، حدثنا أبو داود، حدثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري -ويقال له: ابن الضَجِيع، ضجيع حمزة، ﵁-حدثني عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: "أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس" (٤).
قال البزار: يعني العين. قال ولا نعلم يروى هذا الحديث عن النبي ﷺ إلا بهذا الإسناد.
قلت: بل قد روي من وجه آخر عن جابر؛ قال الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي -المعروف بشَكَّر-في كتاب العجائب، وهو مشتمل على فوائد جليلة وغريبة: حدثنا الرهاوي، حدثنا يعقوب بن محمد، حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي، حدثنا محمد بن المُنكَدر، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال: "العين حق، لتُورِد الرجل القبر، والجمل القِدر، وإن أكثر هلاك أمتي في العين" (٥).
(١) في أ: "ثم يلقي". (٢) المسند (٣/ ٤٨٦). (٣) المسند (٣/ ٤٨٦). (٤) مسند البزار برقم (٣٠٥٢) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٥/ ١٠٦): "رجاله رجال الصحيح، خلا طالب بن حبيب ابن عمرو، وهو ثقة". (٥) ورواه ابن عدي في الكامل (٥/ ١٨٥) من طريق رحيم عن ابن أبي فديك عن علي بن أبي علي اللهبي، به. وقال [غير محفوظ] وعلي بن أبي علي هو آفنه، قال أحمد: يروي أحاديث مناكير عن جابر.