وقال مجاهد: (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي: مجدودون، يعني: لا حظ لنا.
قال ابن عباس، ومجاهد: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ): تعجبون. وقال مجاهد أيضًا: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم.
وهذا يرجع إلى الأول، وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم. وهذا اختيار ابن جرير (١).
وقال عكرمة: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) تلاومون. وقال الحسن، وقتادة، والسدي: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) تندمون. ومعناه إما على ما أنفقتم، أو على ما أسلفتم من الذنوب.
قال الكسائي (٢): تفكه من الأضداد، تقول العرب: تفكهت بمعنى تنعمت، وتفكهت بمعنى حزنت.
ثم قال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) يعني: السحاب. قاله ابن عباس، ومجاهد وغير واحد. (أَمْ نَحْنُ الْمُنزلُونَ) يقول: بل نحن المنزلون.
(لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا) أي: زُعاقًا مُرًّا لا يصلح لشرب ولا زرع، (فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) أي: فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذبًا زلالا! ﴿لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٠، ١١].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة، حدثنا فُضَيل بن مرزوق، عن جابر، عن أبي جعفر، عن النبي ﷺ: أنه إذا شرب الماء قال: "الحمد لله الذي سقانا عذبًا فراتًا برحمته، ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا" (٣).
ثم قال: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) أي: تقدحون من الزناد وتستخرجونها (٤) من أصلها.
(أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ) أي: بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها، وللعرب شجرتان: إحداهما: المرخ، والأخرى: العَفَار، إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحُك أحدهما بالآخر، تناثر من بينهما شرر النار.
وقوله: (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً) قال مجاهد، وقتادة: أي تُذَكّر النارَ الكبرى.
قال قتادة: ذكر لنا رسول الله ﷺ قال: "يا قوم، ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم". قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية! قال: "قد ضُربت بالماء ضربتين -أو: مرتين-حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها" (٥).
(١) تفسير الطبري (٢٧/ ١١٥).
(٢) في أ: "قال السدي".
(٣) وهذا مرسل وعزاه الهندي في كنز العمال (٧/ ١١١) إلى أبي نعيم في الحلية.
(٤) في م: "وتستخرجون".
(٥) رواه الطبري في تفسيره (٢٧/ ١١٧).