يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله محمد ﷺ أنه عَلَّمه الذي جاء به إلى الناس (شَدِيدُ الْقُوَى)، وهو جبريل، ﵇، كما قال: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التكوير: ١٩ - ٢١].
وقال هاهنا:(ذُو مِرَّةٍ) أي: ذو قوة. قاله مجاهد، والحسن، وابن زيد. وقال ابن عباس: ذو منظر حسن.
وقال قتادة: ذو خَلْق طويل حسن.
ولا منافاة بين القولين؛ فإنه، ﵇، ذو منظر حسن، وقوة شديدة. وقد ورد في الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة وابن عمرو (١) أن النبي ﷺ قال: "لا تحل الصدقة لغنيٍّ، ولا لِذِي مرّة سَوِيّ"(٢).
(وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى) يعني: جبريل، استوى في الأفق الأعلى. قاله عكرمة وغير واحد. قال عكرمة: والأفق الأعلى: الذي يأتي منه الصبح. وقال مجاهد: هو مطلع الشمس. وقال قتادة: هو الذي يأتي منه النهار. وكذا قال ابن زيد، وغيرهم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا مُصَرِّف بن عمرو اليامي أبو القاسم، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن طلحة بن مصرف، حدثني أبي، عن الوليد -هو ابن قيس-عن إسحاق بن أبي الكَهْتَلَة أظنه ذكره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ لم ير جبريل في صورته إلا مرتين، أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق. وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد، فذلك (٣) قوله: (وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى).
وقد قال ابن جرير هاهنا قولا لم أره لغيره، ولا حكاه هو عن أحد، وحاصله: أنه ذهب إلى أن المعنى: (فَاسْتَوَى) أي: هذا الشديد القوى ذو المرة هو ومحمد صلى الله عليهما وسلم (بِالأفُقِ الأعْلَى) أي: استويا جميعا بالأفق، وذلك ليلة الإسراء كذا قال، ولم يوافقه أحد على ذلك. ثم
(١) في م: "ابن عمرو وأبي هريرة". (٢) حديث عبد الله بن عمرو: رواه أبو داود في السنن برقم (١٦٣٤) والترمذي في السنن برقم (٦٥٢) عن ريحان بن يزيد عنه وحديث أبي هريرة: رواه النسائي في السنن (٥/ ٩٩) وابن ماجه في السنن برقم (١٨٣٩) عن سالم بن أبي الجعد عنه. (٣) في م: "فكذلك".