استعجلوا عذاب الله وعقوبته، استبعادًا منهم وقوعه، كقوله: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ [الشورى: ١٨].
(قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ)(١) أي: الله أعلم بكم إن كنتم مستحقين لتعجيل العذاب فيفعل (٢) ذلك بكم، وأما أنا فمن شأني أني أبلغكم ما أرسلت به، (وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) أي: لا تعقلون ولا تفهمون.
قال الله تعالى:(فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) أي: لما رأوا العذاب مستقبلهم، اعتقدوا أنه عارض ممطر، ففرحوا واستبشروا به (٣)، وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر، قال الله تعالى:(بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي: هو العذاب الذي قلتم: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
(تُدَمِّرُ) أي: تخرب (كُلَّ شَيْءٍ) من بلادهم، مما من شأنه الخراب (بِأَمْرِ رَبِّهَا) أي: بإذن الله لها في ذلك، كقوله: ﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذاريات: ٤٢] أي: كالشيء البالي. ولهذا قال:(فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ) أي: قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية، (كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) أي: هذا حكمنا فيمن كذب رسلنا، وخالف أمرنا.
وقد ورد حديث في قصتهم وهو غريب جدًا من غرائب الحديث وأفراده، قال الإمام أحمد:
حدثنا زيد بن الحُبَاب، حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي قال: حدثنا عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي وائل، عن الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله ﷺ، فمررت بالرَبْذَة، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت لي: يا عبد الله، إن لي إلى رسول الله ﷺ حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها فأتيت بها المدينة، فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله ﷺ، فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها. قال: فجلست، فدخل منزله -أو قال: رحله-فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فسلمت، فقال:"هل كان بينكم وبين تميم شيء؟ " قلت: نعم، وكانت لنا الدبرة (٤) عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع، بها فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب: فأذن لها فدخلت، فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء، فحميت العجوز واستوفزت، وقالت: يا رسول الله، فإلى أين يضطر مضطرك؟ قال: قلت: إن مثلي ما قال الأول: "مِعْزَى حَمَلَت حَتْفَها"، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد. قال:"هيه، وما وافد عاد؟ " -وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه (٥) -قلت: إن عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يقال له: قَيل، فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما "الجرادتان"-فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مَهْرة فقال: اللهم،
(١) في م: "وقال" وهو خطأ. (٢) في م، أ: "فسيفعل". (٣) في م، ت: "ففرحوا به واستبشروا به". (٤) في ت، أ: "الدائرة". (٥) في أ: "يستعظمه".