يقول تعالى مخبرا عن (١) الإنسان أنه في حال الضراء يَضْرَع إلى الله، ﷿، وينيب إليه ويدعوه، وإذا (٢) خوله منه نعمة بغى وطغى، وقال:(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ) أي: لما يعلم الله من استحقاقي له، ولولا أني عند الله تعالى خصيص لما خَوَّلني هذا!
قال قتادة: ﴿عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ على خيرٍ عندي.
قال الله ﷿:(بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) أي: ليس الأمر كما زعموا، بل [إنما](٣) أنعمنا عليه بهذه النعمة لنختبره فيما أنعمنا عليه، أيطيع أم يعصي؟ مع علمنا المتقدم بذلك، فهي فتنة أي: اختبار، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فلهذا يقولون ما يقولون، ويدعون ما يدعون.
(قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي: قد قال هذه المقالة وزعم هذا الزعم وادعى هذه الدعوى، كثير ممن سلف من الأمم (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أي: فما صح قولهم ولا منعهم جمعهم وما كانوا يكسبون.
(فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ) أي: من المخاطبين (٤)(سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا) أي: كما أصاب أولئك، (وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) كما قال تعالى مخبرا عن قارون أنه قال له قومه: ﴿لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٦ - ٧٨]، وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: ٣٥].