يقول تعالى مخبرا عن نفسه تعالى: أنه (١) الغني عما سواه من المخلوقات، كما قال موسى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٨].
وفي صحيح مسلم:"يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئا"(٢).
وقوله (وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) أي: لا يحبه ولا يأمر به، (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) أي: يحبه منكم ويزدكم (٣) من فضله.
(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) أي: لا تحمل نفس عن نفس شيئا، بل كل مطالب بأمر نفسه، (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) أي: فلا تخفى عليه خافية.
وقوله:(وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ) أي: عند الحاجة يضرع ويستغيث بالله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٧]. ولهذا قال:(ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) أي: في حال الرفاهية ينسى ذلك الدعاء والتضرع، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس: ١٢].
(وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي: في حال العافية يشرك بالله، ويجعل له (٤) أندادا. (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) أي: قل لمن هذه حاله وطريقته ومسلكه: تمتع بكفرك قليلا. وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، كقوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾ [إبراهيم: ٣٠]، وقوله: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان: ٢٤].
(١) في ت، أ: "بأنه". (٢) صحيح مسلم برقم (٢٥٧٧) من حديث أبي ذر ﵁. (٣) في أ: "ويزيدكم". (٤) في ت: "لله".