وقوله:(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) وذلك أن أيوب ﵇ كان قد غضب على زوجته ووجد عليها في أمر فعلته. قيل:[إنها](١) باعت ضفيرتها (٢) بخبز فأطعمته إياه فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة. وقيل: لغير ذلك من الأسباب. فلما شفاه الله وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابل بالضرب فأفتاه الله ﷿ أن يأخذ ضغثًا -وهو: الشِّمراخ-فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة واحدة وقد بَرّت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأناب إليه ولهذا قال تعالى:(إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي: رَجَّاع منيب ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٢، ٣]
وقد استدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الأيمان وغيرها وأخذوها (٣) بمقتضاها [ومنعت طائفة أخرى من الفقهاء من ذلك، وقالوا: لم يثبت أن الكفارة كانت مشروعة في شرع أيوب، ﵇، فلذلك رخص له في ذلك، وقد أغنى الله هذه الأمة بالكفارة](٤)
يقول تعالى مخبرا عن فضائل عباده المرسلين وأنبيائه العابدين:(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ) يعني بذلك: العمل الصالح والعلم النافع والقوة في العبادة والبصيرة النافذة.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:(أُولِي الأيْدِي) يقول: أولي القوة (وَالأبْصَارِ) يقول: الفقه في الدين.
وقال مجاهد:(أُولِي الأيْدِي) يعني: القوة في طاعة الله (وَالأبْصَارِ) يعني: البصر (٥) في الحق.
وقال قتادة والسدي: أعطُوا قوة في العبادة وبَصرًا في الدين.
[وقوله](٦)(إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) قال مجاهد: أي جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هَمّ غيرها. وكذا قال السدي: ذكرهم للآخرة وعملهم لها.
وقال مالك بن دينار: نزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها. وكذا قال عطاء الخراساني.
(١) زيادة من ت، أ. (٢) في أ: "ضفيرتيها". (٣) في ت، س: "وأخذوا". (٤) زيادة من ت، أ. (٥) في أ: "البصير". (٦) زيادة من ت، س، أ.