عكرمة (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ)، قال: من حيث نأمنكم.
وقوله:(قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) تقول القادة من الجن، والإنس للأتباع: ما الأمر كما تزعمون؟ بل كانت قلوبكم منكرة للإيمان، قابلة للكفر والعصيان، (وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ)(١) أي: من حجة على صحة ما دعوناكم إليه، (بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ) أي: بل كان فيكم طغيان ومجاوزة للحق، فلهذا استجبتم لنا وتركتم الحق الذي جاءتكم به الأنبياء، وأقاموا لكم الحجج على صحة ما جاءوكم به، فخالفتموهم.
(فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ)، يقول الكبراء للمستضعفين: حقت علينا كلمة الله (٢): إنا من الأشقياء الذائقين العذاب يوم القيامة، (فَأَغْوَيْنَاكُمْ) أي: دعوناكم إلى الضلالة، (إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ) أي: دعوناكم (٣) إلى ما نحن فيه، فاستجبتم لنا، قال الله تعالى:(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) أي: الجميع في النار، كل بحسبه، (إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا) أي: في الدار الدنيا (إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) أي: يستكبرون أن يقولوها، كما يقولها المؤمنون.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وَهْب، حدثنا عمي، حدثنا الليث، عن ابن مُسافر -يعني عبد الرحمن بن خالد-عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هُرَيرة،﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"، وأنزل الله في كتابه -وذكر قوما استكبروا-فقال:(إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ)(٤).
وقال (٥) ابن أبي حاتم أيضا: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، حدثنا حمَّاد، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي العلاء قال: يؤتى باليهود يوم القيامة فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: الله وعُزَيرًا. فيقال لهم: خذوا ذات الشمال، ثم يؤتى بالنصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله والمسيح. فيقال لهم: خذوا ذات الشمال. ثم يؤتى بالمشركين فيقال لهم:"لا إله إلا الله"، فيستكبرون. ثم يقال لهم:"لا إله إلا الله"، فيستكبرون. ثم يقال لهم:"لا إله إلا الله" فيستكبرون. فيقال لهم: خذوا ذات الشمال -قال أبو نضرة: فينطلقون أسرع من الطير-قال أبو العلاء: ثم يؤتى بالمسلمين فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد الله. فيقال لهم: هل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم. فيقال لهم: فكيف تعرفونه ولم تروه؟ قالوا: نعلم أنه لا عِدْلَ له. قال: فيتعرف لهم ﵎، وينجي الله المؤمنين.
(١) في ت: "لكم علينا" (٢) في أ: "كلمة ربك". (٣) في ت، س: "فدعوناكم". (٤) وقد رواه مسلم في صحيحه برقم (٢١) بدون ذكر الآية من طريق يونس عن الزهري به. (٥) في ت: "وروى".