للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال قتادة وغيره: الجُرَذ: هو الخَلْد، نقبت أسافله حتى إذا ضَعف ووَهَى، وجاءت أيام السيول، صَدمَ الماءُ البناءَ فسقط، فانساب الماء في أسفل (١) الوادي، وخرّبَ ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك، ونضب الماء عن الأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال، فيبست وتحطمت، وتبدلت تلك الأشجار المثمرة الأنيقة النضرة، كما قال الله وتعالى: (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ).

قال ابن عباس، ومجاهد، وعِكْرِمة، وعطاء الخُرَاساني، والحسن، وقتادة، والسُّدِّي: وهو الأراك، وأكلة البَرير.

(وَأَثْل): قال العوفي، عن ابن عباس: هو الطَّرْفاء.

وقال غيره: هو شجر يشبه الطرفاء. وقيل: هو السّمُر. فالله أعلم.

وقوله: (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ): لما كان أجودَ هذه الأشجار المبدل بها هو السّدْر قال: (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ)، فهذا الذي صار أمر تَيْنك (٢) الجنتين إليه، بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة، والظلال العميقة والأنهار الجارية، تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسّدْر ذي الشوك الكثير والثمر القليل. وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل؛ ولهذا قال: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا (٣) وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ) أي: عاقبناهم بكفرهم.

قال مجاهد: ولا يعاقب إلا الكفور.

وقال الحسن البصري: صدق الله العظيم. لا يعاقب بمثل فعله إلا الكفور. وقال طاوس: لا يناقش إلا الكفور.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو عمر بن النحاس الرملي، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا أبو البيداء، عن هشام بن صالح التغلبي (٤)، عن ابن خيرة -وكان من أصحاب علي، -قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتعسر في اللذة. قيل: وما التعسر في اللذة؟ قال: لا يصادف لذة حلال (٥) إلا جاءه مَنْ يُنَغِّصه إياها.

﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (١٨) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩)﴾.

يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغِبْطة والنعمة، والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث


(١) في ت: "أصل".
(٢) في ت، أ: "تللك".
(٣) في ت: "بكفرهم" وهو خطأ.
(٤) في ت: "وقال ابن أبي حاتم بإسناده".
(٥) في ت: "حلالاً".