عقوبة ممن كذب على الله فقال: إن الله أوحى إليه شيء، ولم يوح إليه شيء. ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. وهكذا لا أحد أشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه، فالأول مفتر، والثاني مكذب؛ ولهذا قال:(أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ).
ثم قال (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) يعني: الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، أي: لنُبَصرنهم سبلنا، أي: طرقنا في الدنيا والآخرة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحَواري، حدثنا عباس الهمداني أبو أحمد -من أهل عكا -في قول الله (١): (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) قال: الذين يعملون بما يعلمون، يهديهم لما لا يعلمون. قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت به أبا سليمان الداراني فأعجبه، وقال: ليس ينبغي لِمَنْ ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر، فإذا سمعه في الأثر عمل به، وحمد الله حين وافق ما في نفسه (٢).
وقوله:(وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، قال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي، حدثنا عيسى بن جعفر -قاضي الري -حدثنا أبو جعفر الرازي، عن المغيرة، عن (٣) الشعبي قال: قال عيسى بن مريم،﵇: إنما الإحسان أن تحسن إلى مَنْ أساء إليك، ليس (٤) الإحسان أن تحسن إلى مَنْ أحسن إليك. [وفي حديث جبريل لما سأل رسول الله ﷺ عن الإحسان قال:"أخبرني عن الإحسان". قال:"أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
[انتهى تفسير سورة العنكبوت، ولله الحمد والمنة (٥)] (٦)
(١) في ت، أ: "قوله تعالى". (٢) في أ: "قلبه". (٣) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده إلى". (٤) في ت: "وليس". (٥) في هـ: "والله أعلم". (٦) زيادة من ت.