وإذا اجتهد فأخطأ (١) فله أجر" (٢) فهذا الحديث يرد نصا ما توهمه "إياس" من أن القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النار، والله أعلم.
وفي السنن: "القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، وقاضيان في النار: رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في النار، ورجل علم الحق وقضى بخلافه، فهو في النار" (٣).
وقريب من هذه القصة المذكورة في القرآن ما رواه الإمام أحمد في مسنده، حيث قال: حدثنا علي بن حَفْص، أخبرنا وَرْقاء عن أبي الزِّنَاد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "بينما امرأتان معهما ابنان لهما، جاء (٤) الذئب فأخذ أحد الابنين، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا. فدعاهما سليمان فقال: هاتوا السكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: يرحمك الله هو ابنها، لا تَشُقه، فقضى به للصغرى" (٥).
وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما (٦) وبوّب عليه النسائي في كتاب القضاء: (باب الحاكم يوهم خلاف الحكم ليستعلم الحق)(٧).
وهكذا القصة التي أوردها الحافظ أبو القاسم بن عساكر في ترجمة "سليمان ﵇" من تاريخه، من طريق الحسن بن سفيان، عن صفوان بن صالح، عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباس -فذكر قصة مطولة (٨) ملخصها-: أن امرأة حسناء في زمان بني إسرائيل، راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم، فامتنعت على (٩) كل منهم، فاتفقوا فيما بينهم عليها، فشهدوا عليها عند داود، ﵇، أنها مَكَّنت من نفسها كلبًا لها، قد عودته ذلك منها، فأمر برجمها. فلما كان عشية ذلك اليوم، جلس سليمان، واجتمع معه وِلْدانٌ، مثله، فانتصب حاكمًا وتزيا أربعة منهم بزيّ أولئك، وآخر بزيّ المرأة، وشهدوا عليها بأنها مكَنت من نفسها كلبًا، فقال سليمان: فرقوا بينهم. فقال لأولهم: ما كان لون الكلب؟ فقال: أسود. فعزله، واستدعى الآخر فسأله عن لونه، فقال: أحمر. وقال الآخر: أغبش. وقال الآخر: أبيض. فأمر بقتلهم، فحكي ذلك لداود، فاستدعى من فوره بأولئك الأربعة، فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب، فاختلفوا عليه، فأمر بقتلهم (١٠).
(١) في ف: "وأخطأ". (٢) صحيح البخاري برقم (٧٣٥٢). (٣) سنن أبي داود برقم (٣٥٧٣) وسنن النسائي الكبرى برقم (٥٩٢٢) وسنن ابن ماجه برقم (٢٣١٥) (٤) في ف: "إذ جاء". (٥) المسند (٢/ ٣٢٢) (٦) في ف: "صحيحيهما". (٧) صحيح البخاري برقم (٦٧٦٩) وصحيح مسلم برقم (١٧٢٠) وسنن النسائي الكبرى برقم (٥٩٥٨) والباب فيه "التوسعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي لا يفعله أفعل ليستبين له الحق". (٨) في ف: "طويلة". (٩) في أ: "عن". (١٠) تاريخ دمشق (٧/ ٥٦٥ "المخطوط")