يقول تعالى مسليًا لرسوله [صلوات الله وسلامه عليه](١) عما آذاه به المشركون من الاستهزاء والتكذيب: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) يعني: من العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام: ٣٤].
ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار، وكلاءته وحراسته لهم بعينه التي لا تنام، فقال:(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ)؟ أي: بدل الرحمن بمعنى غيره كما قال الشاعر (٢)
وقوله تعالى:(بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) أي: لا يعترفون (٣) بنعمه عليهم وإحسانه إليهم، بل يعرضون عن آياته وآلائه، ثم قال (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا) استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ، أي: ألهم آلهة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا؟ ليس الأمر كما توهموا ولا كما (٤) زعموا؛ ولهذا قال:(لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) أي: هذه [الآلهة](٥) التي استندوا إليها غير الله لا يستطيعون نصر أنفسهم.
وقوله:(وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) قال العوفي، عن ابن عباس:(وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي: يجارون (٦) وقال قتادة لا يصحبون [من الله](٧) بخير وقال غيره: (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) يمنعون.
(١) زيادة من ف، أ. (٢) هو أبو نخيلة يعمر بن حزن، والبيت في اللسان مادة (فسق) وصدره: دسته لم تأكل المرققا وقد حمل صاحب اللسان قوله بأنه ظن الفستق من البقول. (٣) في ف، أ: "لا يعرفون". (٤) في ف، أ: "ولا قد كما". (٥) زيادة من ف، أ. (٦) في ف، أ: "يجازون". (٧) زيادة من ف.