ثم تنتهي إلى غي وآثام". قال: قلت: وما غي وآثام؟ قال: "بئران في أسفل جهنم، يسيل فيهما صديد أهل النار، وهما اللتان (١) ذكر الله في كتابه: (أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) وقوله في الفرقان: ﴿وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ (٢) هذا حديث غريب ورفعه منكر.
وقوله:(إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا)، أي: إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات، فإن الله يقبل توبته، ويحسن عاقبته، ويجعله من ورثة جنة النعيم؛ ولهذا قال:(فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) وذلك؛ لأن التوبة تُجُبُّ ما قبلها، وفي الحديث الآخر:"التائب من الذنب كمن لا ذنب له"(٣)؛ ولهذا لا يُنْقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئًا، ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص (٤) لهم مما عملوه بعدها؛ لأن ذلك ذهب هَدَرًا وترك نسيا، وذهب مَجَّانا، من كرم الكريم، وحلم الحليم.
يقول تعالى: الجنات التي يدخلها (٥) التائبون من ذنوبهم، هي (جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي: إقامة (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ) بظهر الغيب، أي: هي من الغيب الذي يؤمنون به وما رأوه؛ وذلك لشدة إيقانهم وقوة إيمانهم.
وقوله:(إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) تأكيد لحصول ذلك وثبوته واستقراره؛ فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدله، كقوله: ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا﴾ [المزمل: ١٨](٦) أي: كائنا لا محالة.
ومنهم من قال:(مَأْتِيًّا) بمعنى: آتيا؛ لأن كل ما أتاك فقد أتيته، كما تقول العرب: أتت عليّ خمسون سنة، وأتيت على خمسين سنة، كلاهما بمعنى [واحد](٧)
(١) في ف: "اللذان". (٢) تفسير الطبري (١٦/ ٧٥). (٣) جاء من حديث أنس بن مالك، وابن مسعود، وأبي سعيد الأنصاري، وابن عباس، ﵃، وأجودها حديث ابن مسعود، أخرجه ابن ماجه في السنن برقم (٤٢٥٠) لكنه فيه انقطاع. (٤) في ف: "فنقص". (٥) في ت: "يدخل إليها". (٦) في ت: "إنه كان" وهو خطأ، وفي أ: "كان وعده مفعولا" وهو الصواب. (٧) زيادة من ف، أ.