للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الله عنه، سورة مريم، فسجد وقال: هذا السجود، فأين البكى؟ يريد البكاء.

رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وسَقَط من روايته ذكر "أبي معمر" فيما رأيت (١)، والله (٢) أعلم.

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (٦٠)﴾.

لما ذكر تعالى حزْبَ السعداء، وهم الأنبياء، ، ومن اتبعهم، من القائمين بحدود الله وأوامره، المؤدين فرائض الله، التاركين لزواجره -ذكر أنه (خَلَفَ مِنْ بَعْدِهم خَلْفٌ) أي: قرون أخر، (أَضَاعُوا الصَّلاةَ) -وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع؛ لأنها عماد الدين وقوامه، وخير أعمال العباد-وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، فهؤلاء سيلقون غيا، أي: خَسَارًا يوم القيامة.

وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة هاهنا، فقال قائلون: المراد بإضاعتها تَرْكُها بالكلية، قاله محمد بن كعب القُرَظي، وابن زيد بن أسلم، والسدي، واختاره ابن جرير. ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد، وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة، للحديث (٣): " بين العبد وبين الشرك تَركُ الصلاة" (٤)، والحديث الآخر: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" (٥). وليس هذا محل بسط هذه المسألة.

وقال الأوزاعي، عن موسى بن سليمان، عن القاسم بن مُخَيمرة في قوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ)، قال: إنما أضاعوا المواقيت، ولو كان تركًا كان كفرًا.

وقال وكيع، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، والحسن بن سعد، عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ و ﴿عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ و ﴿عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾؟ قال ابن مسعود: على مواقيتها. قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك؟ قال: ذاك (٦) الكفر.

[و] (٧) قال مسروق: لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس، فيكتب من الغافلين، وفي إفراطهن الهلكة، وإفراطهن: إضاعتهن عن وقتهن.

وقال الأوزاعي، عن إبراهيم بن يزيد (٨): أن عمر بن عبد العزيز قرأ: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، ثم قال: لم تكن (٩) إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا الوقت.


(١) تفسير الطبري (١٦/ ٧٣).
(٢) في ف، أ: "فالله".
(٣) في أ: "الحديث".
(٤) رواه مسلم في صحيحه برقم (٨٢) من حديث جابر .
(٥) رواه الترمذي في السنن برقم (٢٦٢١) والنسائي في السنن (١/ ٢٣١) من حديث بريدة بن الحصيب وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
(٦) في ت، ف، أ: "ذلك".
(٧) زيادة من ت، ف.
(٨) في أ: "زيد".
(٩) في ت، ف، أ: "يكن".