قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هاهنا، وبالله التوفيق.
وأما قوله:(أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) أي: هي محكمة في لفظها، مفصلة في معناها، فهو كامل صورة ومعنى. هذا معنى ما روي عن مجاهد، وقتادة، واختاره ابن جرير.
وقوله:(مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) أي: من عند الله الحكيم في أقواله، وأحكامه، الخبير بعواقب الأمور.
(أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ) أي: نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة (١) الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥]، قال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦].
وقوله:(إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ)(٢) أي: إني لكم نذير من العذاب إن خالفتموه، وبشير بالثواب إن أطعتموه، كما جاء في الحديث الصحيح: أن رسول الله ﷺ صعد الصفا، فدعا بطون قريش الأقرب ثم الأقرب، فاجتمعوا، فقال (٣) يا معشر قريش، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تصبحكم (٤)، ألستم مصدقي؟ " فقالوا: ما جربنا عليك كذبا". قال:"فإني نذير لكم بين (٥) يدي عذاب شديد"(٦).
وقوله:(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي: وآمركم (٧) بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى الله ﷿ فيما تستقبلونه، وأن تستمروا (٨) على ذلك، (يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا) أي: في الدنيا (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي: في الدار الآخرة، قاله قتادة، كقوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧]، (٩)(١٠)
(١) في ت، أ: "بعباده". (٢) في ت، أ: "إني". (٣) في ت: "فقالوا". (٤) في ت: "تصحبكم". (٥) في أ: "من". (٦) رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٩٧١) من حديث ابن عباس، ﵁. (٧) في ت، أ: "يأمركم". (٨) في ت، أ: "يستقبلونه وأن يستمروا". (٩) في ت، "فليحيينه". (١٠) في ت: "بأحسن الذي كانوا".