وقد روى أبو إسحاق، عن عاصم، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نحوًا من ذلك (١) كما سيأتي في قوله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧٣] إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان.
وقال قتادة: قال علي،﵁: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) رواه ابن جرير.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال: سمعت الحسن يقول: قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ)(٢)
وروى النسائي وابن مَرْدُويه -واللفظ له -من حديث أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني، فيكون له شكرًا. وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو أن الله هداني فيكون له حسرة"(٣)
ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا:(أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي: بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم. وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله ﷺ:"واعلموا أن أحدكم (٤) لن يدخله عمله الجنة". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:"ولا أنا، إلا أن يَتَغَمَّدَنِي الله برحمة منه وفضل"(٥)
يخبر تعالى بما يخاطب أهل الجنة أهل النار إذا استقروا في منازلهم، وذلك على وجه التقريع والتوبيخ:(أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا [فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا])(٦)"أن" هاهنا مفسِّرة للقول المحذوف، و"قد" للتحقيق، أي: قالوا لهم: (قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ) كما أخبر تعالى في سورة "الصافات" عن الذي كان له قرين من الكفار: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الآيات: ٥٥ - ٥٩]
(١) في ك، م، أ: "هذا". (٢) تفسير عبد الرزاق (١/ ٢١٧). (٣) سنن النسائي الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي برقم (١٢٤٩٢) ورواه أحمد في مسنده (٢/ ٥١٢) والحاكم في المستدرك (٢/ ٤٣٥) من طريق أبي بكر بن عياش به، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. (٤) في أ: "أحدا". (٥) صحيح البخاري برقم (٦٤٦٣) وصحيح مسلم برقم (٢٨١٦) من حديث أبي هريرة، ﵁. (٦) زيادة من ك، م.